تحوّلت أزمة شحّ السيولة من أزمة سريّة على دراية بها الاوساط المالية المعنيّة منذ العام 2018، الى ازمة علنية يتعامل مع تداعياتها المواطنون بشكل يومي، وبات الـ«كابيتال كونترول»، أمراً واقعاً.
وهناك أسباب عدّة تبرّر إقرار قانون يشرّع وينظّم ويوحّد القيود التي يفرضها القطاع المصرفي على رأس المال:
1- بعدما فُرضت القيود والسقوف التي حدّدتها المصارف بالنسبة لعمليات السحب النقدية او التحويلات الى الخارج او خفض سقوف بطاقات الائتمان، صار من الافضل توحيد هذه القيود بين المصارف على صعيد اكبر من توصية تُصدرها جمعية المصارف، لانّ المودعين لمسوا اختلافات في تطبيق قرار الجمعية بين مختلف المصارف، حيث انخفضت قيمة السحب النقدي الاسبوعية المسموح بها من 1000 دولار الى 200 دولار في بعض المصارف. وبالتالي فإنّ إقرار قانون يضع قيوداً موحّدة تراعي ملاءة المصارف، سيُلزم الاخيرة تطبيق السقوف نفسها على كافة العملاء.
2- إقرار قانون يشرّع الضوابط على رأس المال يمنع أي استنسابية في التعامل بين عملاء المصرف نفسه، حيث انّه قبل وبعد اعلان جمعية المصارف عن وضع قيود على التحويلات الى الخارج، ما زالت تلك العمليات تتمّ في السرّ، والدليل على ذلك ميزانية مصرف لبنان التي أظهرت تراجعاً في حجم سيولته من العملات الاجنبية بحوالى 800 مليون دولار من 1 الى 15 تشرين الثاني.
3- إقرار قانون يشرّع فرض ضوابط على رأس المال يوفّر على المصارف مئات الدعاوى القضائية التي قد يرفعها أفراد أو مجموعات متضامنة في لبنان او الخارج ضد المصارف، ما من شأنه ان يكبّدها أعباء مالية ويؤثر على سمعتها وتعامل البنوك المراسلة معها.
4- الاستمرار في حرمان مؤسسات القطاع الخاص، من صناعيين في الدرجة الاولى الى تجار المواد الغذائية في الدرجة الثانية، سيساهم في المزيد من التراجع في سعر صرف الليرة اللبنانية، لأنّ الضوابط على رأس المال توجّه أي مستورد نحو سوق الصيرفة من اجل الحصول على دولارات للاستيراد. وفي النتيجة ادّى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق الموازية الى هبوط سعر صرف الليرة بنسبة فاقت 30 في المئة.
5- السبب الاساس والجوهري من إقرار قانون يشرّع الضوابط على رأس المال هو صياغة قانون يحدّد ويراعي الاهداف المرجّوة من هذا القانون، وأهمّها المحافظة على النمو الاقتصادي. وبالاضافة الى الحدّ من خروج العملة الصعبة من لبنان والمحافظة على احتياطي مصرف لبنان، يجب على القانون ان يحدّد كيفية تشجيع وحماية التحويلات الجديدة الى لبنان التي يحتاجها النظام النقدي والمالي. كما انّ على القانون ان يراعي حاجات القطاعين العام والخاص من النقد الأجنبي، وان يضع إجراءات تسمح بالتخفيف من حدّة الأزمة على القطاعات الاستراتيجية التي تساهم في نمو الاقتصاد وتساعد في تيسير اعمال القطاعات الانتاجية التي بدورها تساهم، من خلال التصدير، في استقطاب العملات الصعبة الى لبنان.
رأي قانوني
في هذا الاطار، قال الخبير القانوني بول مرقص لـ«الجمهورية»، انّ القيود على السحوبات والتحاويل المصرفية جاءت نتيجة سوء الإدارة الحكومية والفساد وعدم المعالجة الاقتصادية المزمنة. وفيما أبدى تحفّظه «في المبدأ، عن هذه الإجراءات لأنّها تخالف مبادئ الاقتصاد الليبرالي الحرّ المنصوص عليها في الدستور»، قال انّه «إذا كان لا بدّ منها، كان يجب ان تصدر بشكل عادل وواضح ومفصّل بموجب قانون صادر عن مجلس النواب، أو إستثنائياً بموجب تعميم او تنظيم يصدر عن السلطة النقدية، وهما الامران اللذان لم يحصلا. أما الذي يتمّ العمل به اليوم، هو الاجراء الادنى، أي التنظيم الصادر عن جمعية المصارف التي تُعتبر جهازاً نقابياً فقط وليست سلطة يحق لها اصدار القوانين».
واشار مرقص، الى انّ أي قانون يتمّ إقراره في هذا الاطار، يمكن الطعن به، في حال لم يكن مبرّراً، امام المجلس الدستوري، وهو عرضة أيضاً للإبطال.