لم تمض بضع ساعات على انتهاء اجتماع باريس الذي يسعى إلى تدويل الأزمة المالية اللبنانية والترويج لوضع لبنان تحت وصاية صندوق النقد الدولي، انطلاقاً من كونه الجهة القادرة على إدارة إعادة هيكلة للدين العام، حتى خفضت وكالة "فيتش" تصنيف لبنان من «CCC» إلى «CC»، أي ليصبح بعيداً درجتين من تصنيف "متخلّف عن السداد" أو ما يمكن تسميته "إفلاس"، وفق ما اشارت صحيفة "الاخبار".
وتابعت الصحيفة ان هذا التزامن بين الحدثين مبني على أسباب واقعية، وإن كانت أهداف وكالات التصنيف تقديم خدمات للمضاربين والمستثمرين الأجانب. من هذه الأسباب أن الوكالة ترى ارتفاع احتمال قيام الحكومة بعملية إعادة هيكلة للدين العام، ربطاً بمجموعة مؤشرات؛ أبرزها: لجوء المصارف إلى فرض قيود (كابيتال كونترول)، وتضرّر الثقة بالقطاع المصرفي، ما سيؤدي إلى كبح التدفقات الخارجية اللازمة للبنان من أجل تلبية حاجاته التمويلية، فضلاً عن نشوء سوق موازية لسعر الصرف، وفشل مصرف لبنان في تأدية كامل التزاماته بالعملات الأجنبية. "ورغم أن احتياطات مصرف لبنان تؤمّن خدمة التزاماته على المدى القصير، كما أن القيود المصرفية حدّت من هروب الأموال، إلا أن غياب التدفقات فرض استمرار تراجع احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، فيما تقنين الدولار سيعمّق الركود ويزيد التضخّم، ويؤجج الاضطرابات الاجتماعية".
وقد عرضت الوكالة للوضع العام في لبنان، مشيرة إلى أنه بعد "ستة أسابيع من فشل المشاورات لإطلاق الاستشارات النيابية، فإن المتظاهرين قد يكونون أكثر ارتياباً من الحكومة الجديدة إلا إذا تضمنت وجوهاً جديدة وبرنامجاً من الإصلاحات السياسية والتغيير. رغم ذلك، فإن الإصلاجات قد تشكّل تحدياً نظراً إلى النظام المتجذر".
كما توقعت الوكالة أن تنخفض احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إلى 28 مليار دولار في نهاية 2019، أي بتراجع قيمته 4 مليارات دولار سنوياً، وأن يستمر الانخفاض في عام 2020 في ظل استحقاقات دين بالعملات الأجنبية (سندات يوروبوندز) بقيمة 2.5 مليار دولار وعجز في الحساب الجاري يتراوح بين 8.5 مليارات دولار و9.5 مليارات دولار. كذلك أشارت إلى أن مصرف لبنان يحمل 3.5 مليارات دولار من الأصول الأجنبية و13.4 ملياراً من الذهب "لكنه لا يستطيع المسّ بالذهب من دون موافقة المجلس النيابي"، وتوقعت أن تبلغ ودائع غير المقيمين بالعملات الأجنبية 32 مليار دولار وأن تبلغ ودائع المقيمين بالعملات الأجنبية 91 مليار دولار.
في النتيجة، تقول الوكالة إن موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية "سلبية" بسبب التزاماته الكبيرة بالعملات الأجنبية تجاه المصارف المحلية (ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالدولار) والمقدّرة بنحو 67 مليار دولار في أيلول، منها 18 ملياراً عبارة عن احتياطات إلزامية. «وإذا قرّر مصرف لبنان السماح للمصارف بالولوج السهل إلى ودائعهم لديه من أجل تلبية طلبات الزبائن، فإن احتياطات مصرف لبنان ستنخفض بسرعة، علماً بأن المصارف تستعمل سيولتها الخارجية بالدولار والتي تقلّصت بقيمة 3.6 مليارات دولار بين مطلع السنة ونهاية تشرين الأول.
وتلفت الوكالة إلى أن ارتفاع معدلات الدولرة ونشوء سوق موازية لسعر الصرف "يخلقان تصدعات في تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار". الدولرة بلغت 73.5% في تشرين الأول 2019 مقارنة مع 66% في مطلع 2017، فيما الليرة باتت متداولة فوق 2000 ليرة في السوق الموازية، مقارنة مع سعر صرف ثابت بقيمة 1507.5 ليرات.
أما فشل مصرف لبنان في خدمة كامل التزاماته، فيعود بحسب الوكالة، وفق ما نقلت "الاخبار"، إلى أنه أعلن في 4 كانون الأول تسديد الفائدة على شهادات الإيداع بالدولار مناصفة بين الدولار والليرة. وبالنسبة إلى الاقتصاد، فالمتوقع أن «ينكمش في 2019 و2020. العجز في الموازنة سيصل إلى 9.3% في 2019 مع وجود فائض أولي، لكن الحكومة بحاجة إلى فائض أولي بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الأربع المقبلة من أجل استقرار الدين الذي سيبلغ 158% من الناتج في 2019».
وتعتقد "فيتش" أن الحلّ السياسي "سيبدأ بإعادة بناء الثقة لدى المودعين، بالإضافة إلى خطّة إصلاحات اقتصادية ومالية ودعم خارجي يخفف الضغوط المالية. هذا السيناريو يعتمد على تطورات عدة إيجابية يصعب توقعها". فالحديث عن دعم سعودي وإماراتي "لم يتطوّر إلى الفعل، فيما أموال سيدر لم تصرف بعد لأن لبنان لم يقم بأي إصلاحات"، وتخلص الوكالة إلى أن "اتفاقاً محتملاً مع صندوق النقد الدولي قد يؤمن دعماً للوضع المالي في لبنان ويحرك التمويل الخارجي، لكن هذا الأمر سيفرض إعادة هيكلة على الدين الحكومي. لبنان يحتاج إلى تمويل استثنائي من صندوق النقد، علماً بأن الكوتا التي يمكنه الحصول عليها من الصندوق بنسبة 735% من حصّته على مدى برنامج من ثلاث سنوات لن تكون كافية وتبلغ 3.9 مليارات دولار".