لكن الكتل السياسية لا تحرز تقدما يذكر في مفاوضات اختيار خليفة عبدالمهدي، وسط حالة من القلق في أوساطها بشأن إمكانية حماية مصالحها الواسعة في الدولة، في حال جاء رئيس وزراء جديد ليس من الدوائر التي تسيطر عليها.
وعندما استقال عبدالمهدي تبخر مسار دستوري فعال لحل البرلمان، إذ يجيز الدستور في أحد طريقيه لرئيس الوزراء أن يتقدم إلى رئيس الجمهورية بطلب حل البرلمان، مشترطا موافقة الأخير، أما الطريق الثاني فيعود إلى البرلمان نفسه، إذ يشترط الدستور تقديم ثلث عدد أعضاء مجلس النواب، المكون من 329 مقعدا، طلبا بحله، على أن يصوت البرلمان على الطلب بأغلبية أعضائه المطلقة، وهو إجراء تعجيزي، لا يمكن تصور حدوثه في حالة الأحزاب العراقية التي تنظر إلى السلطة بوصفها غنيمة، لولا حركة الاحتجاج التي يبدو أنها تعدل موازين الوضع العراقي.
وطالب المتظاهرون أن يحذو رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حذو عبدالمهدي ويستقيل، ليبقى رئيس الجمهورية فقط، حتى اكتمال إجراءات المرحلة الانتقالية، ثم يستقيل هو الآخر.
وسرب مكتب الحلبوسي أنباء لوسائل إعلام محلية تشير إلى إمكانية تقديمه استقالته، وذلك بعدما شعر بأن شعبيته في محافظة الأنبار التي ينحدر منها آخذة في التآكل، بسبب القمع الذي تمارسه الشرطة ضد السكان السنة في المدينة، لأنهم يريدون مساندة احتجاجات المدن الشيعية.
ويقول الحلبوسي في لقاءاته الخاصة، إنه لا يمانع في الاستقالة أو حل البرلمان، لأنه يدرك مدى الضرر الذي يلحق بسياسي عراقي يتمسك بمنصبه وامتيازاته، وسط غليان الشارع.
وقال مصدر سياسي مطلع لـ”العرب” إن طهران تعطل قدر الإمكان قرار حل البرلمان الذي يستلزم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لمنح حلفائها في العراق فرصة لإعادة التموضع قبل مواجهة الاقتراع الذي قد يحد من نفوذها.
ويرى مراقبون أن المرحلة الانتقالية التي يخوضها العراق حاليا ستكون حاسمة لجهة تحديد مسار البلاد، وما إذا كانت ستخرج من حالة الفشل التي كرستها الأحزاب السياسية الموالية لإيران، بما يتضمن الحد من نفوذ بعض مراكز القوى الرئيسية.
ويستبعد هؤلاء أن يتم تعيين رئيس وزراء خلفا لعبدالمهدي المستقيل وذلك بسبب الرفض الشعبي المسبق لكل الشخصيات التي تقترحها الأحزاب، معتبرين أن العقدة الدستورية ستظل مستعصية مما يعني أن الأزمة ستطول، وهو يمنح إيران وقتا مضافا لطرح معالجات أخرى تمكّن أتباعها من استعادة السيطرة على الموقف بإنهاء الاحتجاجات أو على الأقل تحجيمها، بما قد يساعد على عدم انهيار النظام.
وقال مراقب سياسي عراقي لـ”العرب” إنه إذا ما كانت الحكومة قد استسلمت وأعلنت عن هزيمتها فإن النظام السياسي بالرغم من هشاشته سيقاوم محتميا بالميليشيات، وهو ما سيحول دون البحث عن خيارات بديلة لحل الأزمة التي قد تسقط رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب من غير أن تبادر كتلة سياسية إلى طرح خيار حل البرلمان ذاتيا.
ولم يستبعد المراقب أن تلجأ الأحزاب، بالاتفاق في ما بينها، إلى إعلان حالة طوارئ تكون بمثابة مناسبة لتشكيل حكومة ميليشيات قد تُسمى حكومة إنقاذ، معتبرا أن ذلك سيرضي وإنْ كان سيغضب الشارع العراقي الملتهب أصلا.
غير أنه لفت إلى أنه من المحتمل أن تنسحب كتل سياسية من البرلمان ما قد يؤدي إلى تعطيل عمله، ويدفع الأحزاب إلى البحث عن مخرج قانوني من خلال إجراء تعديل على الدستور يسمح بحل البرلمان.
وخلص إلى أن الأمر الثابت أن كل الأبواب صارت مفتوحة أمام النظام لكي يخلي مواقع عزيزة عليه من أجل أن يكون الحل ممكنا.