نشر موقع "ذا انترسيبت" مقالا للكاتب جيمس ريزن، يقول فيه إن العقوبات الأمريكية المشددة على إيران تدفعها لإحكام السيطرة على العراق.
ويقول ريزن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الاحتجاجات التي عمت العراق وإيران غيرت الدينامية السياسية في البلدين، ومن غير المعلوم إن كانت الحركة الشعبية التي تعبر عن غضب بسبب الظروف الاقتصادية ستقود إلى تغير واضح في البلدين، أو أن الولايات المتحدة ستؤدي دورا في تشكيل الأوضاع".
ويشير الكاتب إلى أن النخبة الحاكمة في العراق صدمت من التظاهرات التي خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر؛ احتجاجا على الفساد المستحكم، وقامت قوات الأمن بقمع المتظاهرين بشدة، وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر أزاحوا العلم الإيراني، ورفعوا مكانه العلم العراقي فوق القنصلية الإيرانية في النجف قبل حرق البناية.
ويلفت ريزن إلى أن القادة العراقيين ترددوا في البداية في تلبية مطالب المحتجين، لكن مع زيادة زخم التظاهرات قرر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الاستقالة في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، وكان عبد المهدي قد لوح بالاستقالة لكنه استقال بعد شهر، بعدما فشل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في تعزيز موقف عبد المهدي.
وينوه الكاتب إلى أن تدخل سليماني جاء قبل فترة من كشف "إنترسيبت" و"نيويورك تايمز"، من خلال تسريب معلومات أمنية وثقت التدخل الإيراني في العراق، مشيرا إلى أن البرقيات السرية أرسلتها وزارة الأمن الإيرانية والمؤسسات الاستخباراتية، في الفترة ما بين 2013- 2015.
ويذكر ريزن أنه في وثيقة مسربة تعود إلى عام 2014، تم الحديث عن عادل عبد المهدي بصفته أحد الوزراء العاملين المقربين من إيران، و "لديه علاقة وثيقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مشيرا إلى أنه في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر كان الضغط قويا عليه لدرجة أن إيران لم تكن قادرة على حمايته، وقبل البرلمان العراقي سريعا استقالته دون تحديد خليفة له.
ويفيد الكاتب بأن واشنطن كانت سعيدة لرحيل عبد المهدي بعدما تعاملت معه بصفته مرشحا مقبولا بعد ترشيح اسمه لرئاسة الوزراء في عام 2018، وقال مسؤولون أمريكيون إنهم اكتشفوا سريعا عدم قدرته على الوقوف أمام إيران، وقال مسؤول امريكي بارز: "علينا الحذر بشأن مشاركة العراق بمعلومات وتكنولوجيا خشية أن تذهب إلى إيران".
ويبين ريزن أن تردد عبد المهدي في التعامل مع دونالد ترامب وبيته الأبيض لم يكن أمرا مساعدا، وقال مسؤول أمريكي إنه رفض مقابلة الرئيس ترامب عندما زار الجنود الأمريكيين في العراق العام الماضي، وفضل الحديث معه عبر الهاتف، ورفض عبد المهدي مقابلة نائب الرئيس مايك بنس، عندما زار الجنود في تشرين الثاني/ نوفمبر للاحتفال بعيد الشكر معهم، مشيرا إلى أنه بالمقارنة فإن عبد المهدي سافر بصفته رئيسا للوزراء إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين.
ويستدرك الكاتب بأنه "في الوقت الذي تراجع فيه تأثير إدارة ترامب في بغداد، فإن إيران تواجه مشكلات جدية في الداخل، يمكن أن تتداخل مع سياستها في العراق، وفي بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعد زيادة أسعار الوقود اندلعت تظاهرات واسعة في أنحاء إيران، وطالب المتظاهرون بمعونات اقتصادية والإطاحة بالحكومة".
ويشير ريزن إلى أن ْتلك التظاهرات قوبلت بإطلاق الرصاص الحي من قوات الأمن، لافتا إلى أنه من غير المعلوم عدد الضحايا، إلا أن مسؤولين في الخارجية قالوا في تصريحات الأسبوع الماضي إن ألف شخص أو أكثر قتلوا في حملة القمع، فيما يعتقد أن عدد الجرحى وصل إلى 7 آلاف شخص.
ويلفت الكاتب إلى أنه في العراق قتل 350 شخصا على الأقل في التظاهرات، ومعظمهم قتلوا برصاص قوات الأمن، مشيرا إلى أنه بحسب تقارير، فإن الحكومة العراقية وجدت في سعيها لقمع الاحتجاجات مساعدة من المليشيات المؤيدة لإيران.
وينوه ريزن إلى أن محتجين في ساحة التحرير تعرضوا للطعن بعد وصول متظاهرين يرتدون زي الجماعات الموالية لإيران، لافتا إلى أن المتظاهرين كانوا يشكون في الجماعات الموالية لإيران، إلا أنه لا توجد أدلة تؤكد مسؤولية هذه الجماعات عن عمليات الطعن.
ويقول الكاتب: "ربما لم يفهم الكثير من المسؤولين الأمريكيين التأثير الكبير لإيران في العراق، لكنه نتاج مباشر للغزو الأمريكي عام 2003 والإطاحة بصدام حسين، وبررت إدارة جورج دبليو بوش الغزو بناء على معلومات مشكوك فيها عن علاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة، ووجود أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة".
ويفيد ريزن بأن "هناك زعما تاريخيا خاطئا من جماعات المحافظين الجدد، التي قالت إن الإطاحة بصدام لن تنفع إيران، وفي الحقيقة فإنهم قالوا إن واحدا من منافع غزو العراق هو الحد من تأثير إيران في الشرق الأوسط".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا كان واحدا من أسوأ التقديرات في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، وكانت إيران هي الفائز الأول من الغزو الأمريكي من خلال التخلص من نظام البعث العراقي، وهو ما فتح المجال أمام تسلم الشيعة السلطة بدعم من أمريكا وتأثير إيراني، وفجأة أصبح لدى إيران الشيعية جار شيعي، وأكثر من هذا قضى عدد من قادة العراق الشيعة الذين تسلموا مناصب بعد الغزو سنوات طويلة في إيران".
وينقل ريزن عن نائب رئيس مجموعة عمليات العراق في "سي آي إيه" وقت الغزو، جون ماغوير، قوله إن حل الجيش العراقي والسياسات التي طالت أعضاء حكومة صدام السابقين أدت إلى فوضى ثم تمرد فتح المجال أمام إيران، فـ"الغضب الصاعد والسخط والعنف فتح الباب أمام إيران بقيادة قاسم سليماني وقوات القدس لاستغلال الوضع وإدارة دوائر" حول الأمريكيين.
ويبين الكاتب أنه في محاولة لمواجهة مرحلة ما بعد الغزو والتمرد، وبحثا عن حل سريع، أشرفت إدارة بوش على نظام انتخابي، أكد على عملية التمثيل السياسي بناء على الخطوط الطائفية، وهو ما ضمن حالة مستمرة من التوتر بين السنة والشيعة، مشيرا إلى أن قمع الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة للسنة قاد إلى ظهور تنظيم الدولة.
ويشير ريزن إلى أنه في الوقت ذاته، فإن سياسة إدارة ترامب للضغط على إيران، من خلال فرض عقوبات قاسية، تركت تداعيات غير مقصودة، فقد دفعت العقوبات إيران لتشديد قبضتها على العراق.
ويورد الكاتب نقلا عن المحلل السابق في "سي آي إيه" والزميل في معهد "أمريكان إنتربرايز" كينث بولاك، قوله إن الإيرانيين ردوا بقوة على الاحتجاجات في بغداد؛ لأن العراق يعد مركزا اقتصاديا مهما لمساعدتها على تجنب العقوبات الأمريكية، وأضاف: "يعد الاقتصاد العراقي حيويا لإيران في أمور مثل التلاعب في العملة والتهريب والتعامل مع العقوبات".
ويلفت ريزن إلى أن المسؤولين في إدارة ترامب يوافقون على هذا الرأي، فيقول مسؤول بارز: "أصبحت إيران تعتمد وبشكل متزايد على العراق ولبنان، بصفتهما صمامات تنفيس اقتصادية".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن "الإدارة ترى أن هذا شيء جيد وأنه نتاج للعقوبات، وحقيقة دفع أمريكا إيران لتعزيز قبضتها على الاقتصاد العراقي لا يبدو مهما لواشنطن ولا تلتفت إليه".