استهدف المحتجون في العراق مرات عدة المنشآت النفطية التي تمثل العامل الوحيد القادر على تحقيق أي تغيير كبير في البلاد والسبب الأساسي للمظاهرات، وذلك بسبب عدم تلبية مطالبهم.
وفي تقرير نشره موقع "أويل برايس" الأميركي، قال الكاتب أنس آليك إن هذه الأوضاع قادرة على التأثير على أسعار النفط أكثر من الرئيس دونالد ترامب وأكثر من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
واستقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي نهاية الشهر الماضي، وحاول الإيرانيون منع حدوث ذلك رغم أنه لم يكن مؤيدا لهم، لأن هشاشة الحكومة العراقية تهدد سيطرة طهران غير المباشرة على السلطة، وفق الكاتب.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الخطوة ستشجع المحتجين أكثر، كما أنها ليست كافية، فمنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قتل أكثر من أربعمئة محتج، لذلك سيتطلب التوقف عن الاحتجاج أمرا أكثر من استقالة عبد المهدي.
وتشمل المظاهرات جميع أنحاء البلاد وتتجاوز الاختلافات الطائفية، رغم أن غالبية الاحتجاجات وقعت في المحافظات التي يهيمن عليها الشيعة.
ظاهريا، تتمحور الاحتجاجات حول نقص الخدمات الأساسية في بلد غني بالنفط لكنه لا يستطيع توفير الكهرباء أو المياه الصالحة للشرب لشعبه، وفي الحقيقة تندد هذه المظاهرات بالفساد الهائل والنظام الفاسد الذي أدى إلى بطالة جماعية بين الشباب، فضلا عن تدهور نظام التعليم والرعاية الصحية.
استقالة عبد المهدي
وأورد الكاتب أن النفوذ الإيراني حاول منع استقالة عبد المهدي، لكن كلمة واحدة من المرجع الشيعي علي السيستاني كانت كافية لدفعه لاتخاذ هذه الخطوة، ودفعت مجلس القضاء الأعلى العراقي إلى اعتبار قمع المحتجين "جريمة".
وأشار الكاتب إلى أن هذه الاستقالة تمثل العامل الوحيد الذي حال دون نشوب نزاع مسلح كبير بين المحتجين وقوات الأمن جنوبي العراق، حيث يقع كل احتياطي النفط، وإذا استولى المتظاهرون على البصرة ستكون على المحك خمسة ملايين برميل يوميا و12% من الاحتياطات المؤكدة في العالم، والمليارات التي تأتي من الاستثمار الأجنبي.
استثمارات عالمية
وأفاد الكاتب بأن الصين تمثل أكبر مشتر للخام العراقي، وأحد أكبر المستثمرين في صناعة النفط والغاز العراقيين.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي وقعت شركة نفط البصرة العراقية عقدا مع الصينيين لتطوير واستكمال ثمانين بئرا نفطية في حقل نفط مجنون العملاق وكذلك في البصرة، مع آمال صينية في زيادة مبيعات النفط الخام من العراق بأكثر من الثلثين لتصل إلى 850 ألف برميل في اليوم بنهاية هذا العام، ومن المحتمل أن بكين تراقب الوضع في العراق بقلق.
وأضاف الكاتب أن روسيا بدورها استثمرت بصناعة الطاقة في العراق بأكثر من عشرة مليارات دولار على مدى السنوات التسع الماضية.
ويشمل ذلك تطوير حقل غرب القرنة التابع لشركة "لوك أويل" بالبصرة، والذي يمثل حوالي 9% من إجمالي إنتاج النفط الخام العراقي. وبالنسبة لأماكن أخرى من البلد، تشمل هذه الاستثمارات شركة "غازبروم" وسط البلاد، وفي إقليم كردستان شمالي العراق.
وأوضح الكاتب أن السؤال التالي يتمثل فيما إذا كان المحتجون يجرؤون على التحرك بسبب النفط.
في الواقع، تشير كل الدلائل إلى أنهم سيفعلون ذلك، وقد شاركوا بالفعل، حيث أغلقوا الطرق المؤدية لخمسة حقول نفطية بالبصرة، وتحول الغضب من الفساد والأمور التي تنفق عليها أموال النفط من بغداد إلى هذه المحافظة، وقد كانوا جريئين بما يكفي لإحراق قنصلية إيرانية وحتى مهاجمة مبنى أمني موال لإيران، وهم يعرفون جيدا أن رد الفعل سيكون عنيفا للغاية.
سليماني
بدأ الوقت في النفاد بالنسبة للعراق. ومع تجمع النخبة السياسية لمناقشة ما سيحدث بعد ذلك ومن سيحل محل رئيس الوزراء المقبل، فإن إيران تلعب من خلال قائد الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني دورا كبيرا بهذا الشأن.
يحدث كل هذا في وقت تستمر فيه الاحتجاجات بالمدن الشيعية الرئيسية في العراق حيث كانت قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين.
وفي الوقت نفسه تشعر الدول الأخرى بالقلق إزاء تصريحات الرئيس ترامب حول صفقة التجارة المتوقفة وحول إعلان منظمة أوبك عن تخفيضات أعمق وأطول للإنتاج، أي رفع أسعار النفط.
وبعد استقالة عبد المهدي يجب على متداولي النفط أن يراقبوا التطورات الحقيقية بالعراق التي قد تعني اضطرابا كبيرا على مستوى الإمدادات، وهو ما ينتظره كل متداولٍ على النفط منذ أكثر من عام، وفق تقرير الكاتب.
وختاما يرى الكاتب أن الحكومة تمتلك خيارين فقط، إما القمع الكامل للمحتجين، وهو ما يعني إراقة الدماء بشكل يتجاوز ما شهدناه بالفعل، وإما الإصلاح الكبير، وهو أمر صعب خاصة مع النفوذ الإيراني. وما يجب أن يستجيب له السوق هو الخطر الواضح والحاضر الذي يواجه 12% من احتياطي النفط العالمي المؤكد.