على الثوار أن لا يؤخذوا كثيرا بحجم تأثيرهم، فمن أسقط الصفدي وطبارة والخطيب بالمختصر الظني، هو بالحقيقة حزب الله بالتضامن والتعاضد مع سعد الحريري.
واحدة من اهم انجازات ثورة 17 تشرين، انها اعادت التركيبة المجتمعية في لبنان الى طائفتين فقط بدل ال18 طائفة كما هو متعارف، واعتقد ان هذا لا يحتاج الى دليل ولا الى كثير اعمال عقل.
وهذه الصورة الانقسامية الجديدة تأخذ بالوضوح، وتمسح عنها الضبابية حتى عند من لا يريد بلورتها واشتداد سطوعها، فالبلد الان منقسم الى طائفة الفاسدين وطائفة الثورة
ومع مرور كل يوم يتقلص هامش الرمادية بين الطائفتين، حتى بات الوقوف على التل أمر صعب مستصعب، والجدير ذكره ها هنا أن التقسيم الطائفي الجديد يضم في جوفه كل الشرائح والفئات من مواطن عادي ووصولا الى الاحزاب والحركات مرورا طبعا برجال الدين رسميين وغير رسميين.
وعليه يمكن القول الآن أن سهولة التصنيف باتت أيسر وأكثر سهولة عند كل من له عيون ويريد أن يرى الامور على حقيقتها، وهنا تحديدا تكمن أشكالية حزب الله و"المؤامرة" المتوهمة عنده
فالحزب الذي نشأ وترعرع وكبر واستفحل في أحضان وتحت عيون طائفة الفاسدين ونسج معها كل أنواع التحالفات وأوراق التفاهم والتسويات السياسية، هذا الحزب يعيش هذه الايام حالة من الرعب والخوف والوجل من الخروج من تحت هذه العباءة، ويقف الآن أمام مفصل تاريخي في اختيار المسلك الذي يريده، والذي للاسف تشير كل الاحداث حتى اللحظة بأنه اختار الطائفة الاولى ليبقى تحت جناحها يحميها وتحميه
ومن هنا فقط يمكن أن نفهم تمسكه حتى الرمق الاخير بهذه المنظومة الفاسدة عهدا وحكومة ونوابا، لأنه للاسف يعتبر أن خسارتها وفنائها تعني بالنسبة له مسألة وجود أو موت،
وبالعودة الى موضوع تشكيل الحكومة، وما يعتريها من تعثرات وتأجيلات وحرق أسماء، فيمكن القول بأن الثورة وإن كانت ساهمت الى حد ما بلعب دور في افشال مخططات الطائفة الفاسدة المتحكمة وإعادة انتاج نفسها، إلا أن وهذا ما يجب أن يعرفه الثوار أن الأسباب الأقوى الكامنة خلف هذا التعثر هو بحقيقة الامر اختلافات ومشكلات بين طائفة الفاسدين أنفسهم،وبينها وبين المجتمع الدولي وبالاخص مع (الدول المانحة)
وعلى الثوار أن لا يؤخذوا كثيرا بحجم تأثيرهم، فمن اسقط الصفدي ووطبارة والخطيب، هو بالحقيقة حزب الله بالتضامن والتعاضد مع سعد الحريري، فلا الأخير جاد بترك الرئاسة الثالثة، ولا الحزب مقتنع بمطالب الثوار ويرى ضرورة بتسمية بديل عنه يمكن أن يرضي الدول المانحة للمزيد من الاستدانة من دون ان يذهب الى خيارات جديدة !
لذا فأنا أعتقد أن المواجهة الحقيقية بين الطائفتين، هي الاثنين القادم موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سوف تفضي إلى تسمية سعد الحريري وبشروطه وبموافقة الحزب الذي سيطلب من جبران باسيل الانصياع لهذه الشروطه، أي حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، على أن يضمن الأخير ومن موقعه، المحافظة على كل مكتسبات الطائفة الفاسدة واستمرارها، ومنها طبعا مكتسبات الحزب
وبذلك يعتبر الحزب انه يحقق أكثر من هدف في آن واحد، فمن جهة يظهر أمام اللبنانيين وجمهوره بالتحديد، بأنه مسهّل وانه قدم تنازلات من أجل الوصول الى تشكيل حكومة ترضي الى حد ما طموح الثورة!! ومن جهة أخرى فإن رفض الشارع لعودة الحريري نفسه، يكون الحزب قد نقل المعركة بينه وبين الثورة الى الاشتباك بين الثورة وبين الحريري، فلا يعود الحزب هو رأس الحربة في الدفاع عن طائفة الفاسدين .
ولا يسعنا في هذا المجال إلا مناشدة الحريري ومطالبته بموقف تاريخي يساهم في انقاذ ما تبقى من لبنان عبر التنحي الحقيقي عن القبول باي تكليف . مع طني بانه لن يجروء على ذلك .