لن تذهب صرختك سُدى يا صاحب النيافة المطران الياس عودة، بل سيتردّد صداها في أفئدة الثوار في الشوارع والساحات، وستُثمر أملاً بغدٍ أفضل لشعبٍ مُتحضر
أولاً: صرخة المطران عودة...
كلمة المطران الياس عودة في ذكرى اغتيال المرحوم النائب جبران تويني، دوّت كصرخة وطنية من مقامٍ دينيٍّ رفيع، جاءت غايةً في الجرأة والصراحة والوضوح، داعيةً لعودة لبنان الذي ابتدعته أيادي رجالٍ عِظام، لبنان العلم والثقافة والحضارة، لبنان الديمقراطية والإشعاع وحقوق المواطن- الإنسان، لبنان اليوم، للأسف الشديد، يراه نيافة المطران محكوماً بيد رجلٍ واحد، وجماعة مُسلّحة، بكلمة مُختصرة وتحديدٍ نافذ، شخّص عودة أزمات لبنان المستعصية والمشاكل الناجمة عنها هذه الأيام: السلاح والوليّ الفقيه، يعرف الجميع ذلك ويتغاضون عنه، عن جهلٍ تارةً، وعن خنوعٍ أو منفعة أو مصلحة تارةً أخرى، ومقابل ذلك، هناك الشعب الثائر في الشوارع والساحات.
ثانياً:ردّ حزب الله...
كان من الطبيعي أن تتسارع ردود الفعل الحادّة على هذا الخطاب الحادّ بدوره، أولها جاء على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في بعلبك، والحقّ يُقال أنّ ردّه جاء صائباً في مقدمته، ومُخطئاً في استنتاجاته، يقول الحاج رعد بأنّ البلد أهمّ وأعظم(ولعلّه أمنع وأصعب) من أن يحكمه رجلٌ واحد(رغم أهلية وحكمة وعزّة ذاك الرجل)، وهذا كلامُ حقٍّ يُراد به باطل، ذلك أنّ هذا الرجل الواحد(أمين عام حزب الله) يحكم برجالٍ هم أشباه الرجال، سواء من يسكن في بعبدا أو بيت الوسط أو عين التينة، هذا عدا الخلايا النائمة والناشطة في الأوساط الطائفية السياسية والحزبية، على سبيل المثال لا الحصر، وهّاب وإرسلان عند الدروز، فرنجية وباسيل عند الموارنة، سعد ومراد عند السُّنّة، وهذا غيضٌ من فيض ممن يعملون في خدمة الرجل الواحد والجماعة المُسلّحة الواحدة، أمّا الاستنتاج الخاطئ فهو الذي لا تحيد عنه منظومة المقاومة والممانعة، والذي يجزم بأنّ كل من يُحاول مقاربة مسألة وطنية خلافية معها، يُرمى فوراً في خانة العمالة والتّآمر على تيار المقاومة، هذا التيار الذي يتحكّم بمقدراته ومصيره رجلٌ واحد منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن.
ثالثاً: رد مطران القدس الحادّ...
الردّ الثاني الحاد والمستهجن ذاك الذي صدر عن رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس في القدس المطران عطاالله حنّا، الذي رفض خطاب المطران عودة رفضاً تاماً واعتبره مُستفزّاً في الصميم، وجزم بأنّه "لا يُمثّلنا كمسيحيين ولا كأبناء للكنيسة الأرثوذكسية، مع دعوته لعدم استغلال منبر الكنيسة للتّعبير عن مواقف سياسية غير مقبولة، ولا يقبل بها أبناء الكنيسة ولا أبناء المجتمع اللبناني والعربي"، بعد ذلك راح المطران عطاالله يتغنّى بجمال لبنان وروعة لبنان من خلال التنوع الجميل، وتنوع الطوائف و الأديان والمعتقدات والأحزاب والتيارات السياسية التي تعيش في تجانس ولُحمة وتعاون في خدمة لبنان بعيداً عن التّعصب، إلى هنا يمكن قبول توجيهات مطران القدس باستحسان ابتعاد رجال الدين عن مخازي السياسة ومفاسدها، كما لا يسعنا سوى الامتنان والتقدير لرسمه صورة زاهية عن أحوال المجتمع اللبناني المتنوعة، المجتمع الذي يحيا هذه الأيام في بحبوحة عيشٍ واطمئنانٍ اجتماعي بسبب تجانس وتعاون الأحزاب والتيارات السياسية التي يرى نيافته في حكمها للبنانيين خيراً ونعمةً مباركة، في حين يعيش لبنان منذ حوالي الشهرين في محنة سوداء لا يعرف أحدٌ طريق الخلاص منها، إلاّ أنّ المستهجن والمستنكر في موقف المطران عطاالله هو انغماسه التام في إبداء الرأي السياسي النافر، حين يرفض تطاول المطران عودة على سماحة السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، ويسمح لنفسه بالإشادة بدور نصرالله العظيم في دفاعه عن الحضور المسيحي في سوريا، ودوره الكبير في المقاومة ونهضة لبنان ورفعته، ولم يكتفِ عطاالله بذلك، بل نصّب نفسه ناطقاً بلسان طائفة الروم الأرثوذكس في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا والعراق الذين يرفضون حسب "زعمه" مواقف المطران عودة السياسية والتي عليه أن يُقلع عنها.
ثالثاً: ردّ الشيخ أحمد قبلان...
الرّد الثالث جاء من قِبل الشيخ أحمد قبلان المفتي الجعفري الممتاز، والذي لا نسمع له صوتاً أو رأياً في مناسبات وطنية أو اجتماعية أو إنسانية أو معيشية أو مطلبية على غرار ما يقوم به سماحة الشيخ ياسر عودة، فإذ به ينبري بالأمس للرّد على المطران عودة، ليُذكّره بأنّ الجماعة المسلحة هي التي حمت لبنان وحرّرته، وما زالت تحافظ على وجوده وعزّته وازدهاره، ويبدو أنّ سماحة المفتي الممتاز لم يسمع بالانتفاضة الشعبية منذ حوالي الشهرين وموقف حزب الله المناهض لها، ولم يترك لنا سوى أن نُذكّره بأنّ هذه الجماعة هي التي سمحت وتسمح لوالده بتعطيل أحكام القانون في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، رغم انقضاء المُدّة والتقدم في السّن.
لن تذهب صرختك سُدى يا صاحب النيافة المطران الياس عودة، بل سيتردّد صداها في أفئدة الثوار في الشوارع والساحات، وستُثمر أملاً بغدٍ أفضل لشعبٍ مُتحضر ومتعلّم وديمقراطي كما وصفته وتصوّرتهُ، ولن تخنُقه أو تقضي عليه تيارات التّخلُّف والتّعصب والارتهان للخارج.