الوقت يمرّ، والواقع الاقتصادي والمالي يزداد تصدّعاً، والطبقة السياسية غارقة في خلافاتها وحساباتها، والناس تكاد تنفجر غضباً على الغياب التامّ لأيّ معالجة وأيّ حسّ بالمسؤولية.
شهران من الكباش بين المسؤولين عن العجز، والانكماش، والهدر، والصفقات والمحاصصات، وشهران من صرخات الناس في الساحات والشوارع وخنقهم في المصارف، وأشهر من تحذيرات المجتمع الدولي والدول الصديقة للبنان، ولم يرفَّ للماسكين برقاب العباد والبلاد جفن.
لن تحلَّ الأزمة أيّ استشارات، ولن يُطَمئن أيّ تكليف المنتفضين في الشوارع، ولن تأتي أيّ حكومة بالمنّ والسلوى على أطباق من فضة الى الشركات والمؤسسات المعرّضة للإقفال، والموظفين والعمال المهدّدين بالتوقيف عن العمل، والمودعين المحتجزة أرزاقهم وجنى أعمارهم في المصارف.
ولعلّ الأكثر أهمية من تسمية رئيس حكومة، هو تحديد أيّ حكومة ستشكّل، وهذا الأساس. فإذا كانوا سيستنسخون الحكومة المستقيلة بوجوه مقنّعة، فإنّ الكارثة مقبلة ولن يفيد مَن سيكون رئيس الحكومة الجديدة.
فالمجتمع الدولي أبلغ الى المسؤولين اللبنانيين رسائل واضحة من خلال أكثر من قناة دبلوماسية، أنّ أيّ حكومة بلا صدقية ولا ترضي المتظاهرين بالحد الأدنى لن تلقى أيّ دعم، وبالتالي تتحمّل مسؤولية الانهيار.
كذلك أبلغت دول عربية صديقة للبنان الى اللاعبين اللبنانيين، انّها لن تساهم بدولار واحد إذا تألفت حكومة يسيطر عليها أخصامها وأعداؤها.
بدورهم نبّه الروس قوى الثامن من آذار من الذهاب الى خيار حكومة من لون واحد، لأنّها ستصطدم بالشارع أوّلاً، وبالدول العربية ثانياً، وبالمجتمع الدولي ثالثاً.
لذلك، وعلى رغم انّ قوى الثامن من آذار تملك أكثرية من نحو 70 نائباً يخوّلونها تسمية من تريد لرئاسة الحكومة، تمسّك الثنائي الشيعي بتسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، وفاوضه مرّات ومرّات، وما زالوا مصمّمين على مواصلة الحوار معه بزخم أكبر في الأيام القليلة المقبلة.
الحريري يأخذ كلّ هذه المعطيات ويبني عليها، حتى لو كُلف لن يقبل باستنساخ التجربة السابقة من محاصصة ووجوه سياسية. لن يأتي بشروط قوى الثامن من آذار لكي لا يطير بقوى السابع عشر من تشرين الاول، ولكي لا يتحمّل مسؤولية الانهيار.
ما حصل أمس هو عملية خلط للأوراق ترجمة لمناخات تميل الى الإيجابية أبرز مؤشراتها:
1- الاهتمام الفرنسي واجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الأربعاء المقبل في باريس.
2- رسائل الحريري الى الملوك والرؤساء العرب والأجانب لمساعدة لبنان.
3- أول مفاوضة بين واشنطن وطهران أفضت الى تبادل سجينين بينهما، وإتمام صفقة تبادل سجناء بين إيران والكويت وقطر بواسطة «الإنتربول».
لقد فُتحت القنوات بين اللاعبين الدوليين والإقليميين لحَبْكِ صيغة تسوية جديدة تأتي بالحريري رئيساً قبل عيد الميلاد على الأرجح. وما يجري حاليّاً هو عملية تقطيع وقت وتحسين مواقع قبل أن تأتي كلمة السرّ ويهرع الجميع الى التنفيذ.