أصبح الاستثمار الأجنبي المباشر عاملاً مهماً جداً للنمو الاقتصادي من حيث قدرته على زيادة المشاريع الانتاجية وتوفير فرص عمل منتجة. وهناك حقيقة أساسية أنّ الشفافية في أنشطة المؤسسات الحكومية أمر حيوي في جذب الاستثمار الأجنبي.
من هنا مطالبتنا الأساسية بإقرار قانون الشفافية والبيانات المفتوحة عبر القانون المقترح، والذي ينصّ "على الإدارة أن تعتمد سياسة البيانات المفتوحة"، أي ان تجعل كل بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة).
إنّ الأثر الايجابي المباشر للشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة هو وقف النزف والهدر الحاصلين، عبر مراقبة الشعب عمل الدولة، وهناك الكثير من المتخصصين والقدرات في كل الحقول التي تستطيع مراقبة عمل الدولة اذا تمّ فتح البيانات، ومنها أيضاً الصحافة الاستقصائية التي يسهّل فتح البيانات عملها، فتوثّقه بدل تضييع الوقت بالاتهامات والنفي.
الأثر الايجابي الثاني هو إعطاء المواطن الثقة وإراحة الناس، بأنّ ما يدفعونه من ضرائب يوضع في موضعه الصحيح ويتقبّل فكرة التقشف، لأنّ الارقام واضحة، وعملية صرف المال العام واضحة، فلا يبقى شعور لدى المواطن أنّ المسؤول يغتني بينما المواطن يفقّر .
الأثر الايجابي الثالث، هو استعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية وتسهيل عملية الاستثمار الاجنبي في لبنان. فعلى الهامش استخدم بعض المراقبين الافتقار إلى الشفافية حجة لإعادة توجيه المساعدات الخارجية بين البلدان. وحجب المساعدات عن الدول التي لا تعتمد الشفافية ويكتنف عملها الغموض.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنّ المستثمر يحتاج الى معلومات واضحة ليتمكن من الاستثمار في البلد. مثلاً المناقصات الشفافة يجب أن تستند إلى قواعد، وهذه القواعد يجب ألّا تكون غامضة، وبعد قبولها، يجب ألّا تتغير، والأهم عدم السماح للصفقات والسمسرات بتغيير وجهة المناقصات. ومن هنا أهمية الشفافية المطلقة وفتح كل البيانات المتعلقة بالمناقصات لإضفاء جو الثقة والعدالة .
فالسياسات الاقتصادية الشفافة أمر حيوي للمستثمرين الأجانب، والسبب، هو أنّ الوكالات الخارجية تراقب الشفافية التي لها تأثير حاسم في قرارات المستثمرين الأجانب. وتشمل هذه الوكالات صندوق النقد الدولي ومختلف وكالات تصنيف الائتمان الخاصة وغيرها من الوكالات التي تصنّف الشفافية وتقدّم معلومات الى الشركات للاستثمار في بلد معيّن .
الأهم أنّ لبنان يملك الكثير من المغتربين والمحبين الذين يتحينون الفرصة للاستثمار فيه، ولكن تنقصهم الثقة في السياسات الحكومية، ويعرقلهم غياب الشفافية وإمكانية الاطلاع على المعلومات بدقة، من المناقصات الى العقود، الى واقع القطاعات المنوي الاستثمار فيها. وفتح البيانات سيعيد الثقة الى هؤلاء للاستثمار في مشاريع منتجة توفّر فرص عمل منتجة.
فالحاجة الأساسية اليوم هو العمل على رفع إنتاجية الاقتصاد اللبناني عبر المشاريع والاستثمارات وتحريك عجلة الانتاج. فالعبرة الاساسية التي تعلّمناها من الأزمة الحالية، هي انّ الاقتصاد الريعي والوظائف الوهمية تنهار عند أول استحقاق، لأنّ أساس اقتصادنا ليس متيناً ، والشفافية والانتاجية يجب ان تكونا عنوانين للمرحلة المقبلة.
واتمنى على الحراك أن لا يضيع في لعبة الأسماء، وحكومة تكنوقراط أو تكنوسياسية وأسماء الوزراء. فما هو أهم، أسماء الوزراء في الوزارة الجديدة أم قوانين وإجراءات جديدة تمنع الفساد والسرقة واجراءات ادارية جديدة فعّالة؟ المهم قوانين وإجراءات تمنع السرقات قبل حدوثها! كم كنت اتمنى التركيز على اجراءات وقوانين أكثر من التركيز على الأسماء.