لفت رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى أن "المحظور وقع واصبح لبنان في وسط عاصفة الانهيار المالي والاقتصادي، وذلك بعدما كانت بوادر ومؤشرات هذا الانهيار واضحة منذ فترةٍ طويلة، ولكن من دون ان تُبادر الأكثرية الوزارية الى اتخاذ اي خطوةٍ اصلاحية جديّة في الاتجاه الصحيح، لا بل امعنت في سلوكها السابق مُسرّعةً من عجلة الانهيار".
وفي مؤتمر صحفي بعد اجتماع تكتل "الجمهورية القوية"، أشار جعجع إلى أن "الكارثة الاقتصادية الاجتماعية التي لطالما حاولنا تنبيه القيّمين على مقدرات البلاد منها حلّت، من دون ان نحصد بالمقابل سوى التجاهل والاتهامات والتهميش والتخوين والاستبعاد وما كان بالإمكان تداركه بالقليل من الخطوات الاصلاحية والمبادرات السياسية، بات اليوم يلزمه عملية إنعاش فورية، وخطة انقاذية ثورية جبارة تحاكي اجواء الثورة وروحيتها وتستجيب لمطاليبها، بعيدا عن نهج المكابرة ومنطق المحاصصة العقيم، الذي كان السبب في إيصال الأوضاع الى ما وصلت اليه اليوم".
وأضاف "اللبنانيون صبروا دهراً على سلوك أولياء الأمر املاً في تصحيح الأداء باتجاه اعادة النهوض بلبنان ووقف مسار الشلل والفساد والاهتراء وكان كلما ازداد اللبنانيون صبراً كلما ازدادت هذه السلطة تعنتاً وإنكاراً واستعلاءً وكفراً، حتى ملّ الصبر من صبرهم وتوسّلوا الثورة سبيلاً وحيداً لوقف هذا الكفر والعبث. فالثورة هي النتيجة الطبيعية لإفلاس هذه السلطة، بعدما ادّت وتؤدي دورها غير مشكورةٍ في إفقار شعبها وافلاسه".
وتوجه إلى اللبنانيين، قائلا "لم يتكبّد الشعب مشقّة النزول الى الطرقات وافتراش الأرصفة والساحات، إلا لأن الحصول على لقمة عيشه البديهية بات اكثر مشقّة ولم تتجند الأمهات والآباء، الشابات والشبان، للثورة ترفا او حبا بالتظاهر والفوضى واقفال الطرقات، وإنما لأن كل طرق التغيير الطبيعية نحو واقع افضل باتت مقفلة، ولأن وجعها وحرمانها وقلقها على المستقبل والوجود والمصير واجهته السلطة طيلة سنوات وسنوات بعقل منغلق وقلب مقفل وافقٍ مسدود".
واعتبر جعجع أن "دخان الإطارات المشتعلة على الطرقات والشحتار الأسود الذي خلفّته الأيادي البيض للثوار والعمال والفقراء والمساكين، ما هو الا انعكاس لقلوب الطبقة الحاكمة السوداء ونفوسها الظلماء وآذانها الصمّاء ولم تؤمن الناس بالثورة الا لأنها كفرت بالواقع القائم في ظل طبقةٍ حاكمة انتهازية مكابرة تتحكّم بمفاصل النظام السياسي، وبمقدرات البلاد واعناق العباد من دون اي وازعٍ اخلاقي او وطني، وفي ظل منظومة محاصصةٍ تأتي بالأكثر استزلاماً لا بالأكثر نزاهةً أو كفاءة او استقامة".
وتابع "في استعراضٍ سريع لواقع الحال في لبنان اليوم نجد من جهة؛ مؤسسات تجارية وصناعية وسياحية وفندقية تقفل ابوابها وتصرف المئات من موظفيها كل يوم، وفي افضل الأحوال تقتطع لهم نصف راتبهم او اكثر لكي تحاول تأجيل إقفالها اطول فترة ممكنة، فرص عمل معدومة، ازمات معيشية تتهدد المواطن في كل لحظة، من ازمة المحروقات لازمة الرغيف والدواء والاستشفاء وازمة المعلمين والمؤسسات التربوية وازمة الدولار والسيولة، وازمة ثقة غير مسبوقة داخلياً ودولياً بالسلطة الحاكمة وسياساتها، استثمارات متوقفة ورؤوس اموال هاربة، اسواق ومحلات تجارية خلت من زبائنها المعتادين في مثل هذه الفترة من كل سن".
وقال جعجع "نجد ايضاً تصدّع النظام المصرفي الذي تميّز به لبنان طيلة عقود، مواطنون عاجزون عن سحب مدخراتهم وجنى اعمارهم من المصارف، تفشي السوق السوداء للدولار في ظل إصرار السلطة على إنكار واقع التضخم المالي الكبير ونجد غلاء فاحش في الأسعار وفقدان اللبنانيين لأبسط مقومات امنهم الاجتماعي الاقتصادي وتراجع قدرتهم الشرائية لحوالى النصف حتى الآن وصولا للفقر المدقع الذي دفع بناجي الفليطي وداني ابي حيدر وآخرين لوضع حد مأساوي لحياتهم، بيئة فاسدة ملوثة بالصفقات المشبوهة مع ما تستجلبه من امراض مستعصية".
ولفت إلى أن "ملايين اللبنانيين متروكين في الشوارع منذ 50 يوماً من دون ان يرّف للسلطة السياسية جفن، جيش وقوى امنية مُستنفرة ومنتشرة في الشوارع بعيداً عن عائلاتها واولادها لدرجة الإنهاك والاستنزاف من دون ان ترأف السلطة المستبدّة بحال هؤلاء العسكريين المهددين كل يوم بانقطاع رواتبهم والذين بالمناسبة نُحييّهم أكبر تحيّة على جهودهم في حفظ الأمن والاستقرار ومنع التعديّات على المواطنين والأملاك وبالمقابل ماذا نرى، نرى الوجوه ذاتها بالعقليات نفسها والسلوكيات اياها تطمر رؤوسها في الرمال وتتصرف كأن شيئاً لم يكن، منذ اللحظة الأولى وجماعة السلطة تحاول الالتفاف والتذاكي على الناس".
وأشار إلى أن "آخر هذه المحاولات تجري فصولها اليوم، إذ بعد خمسين يوماً على الانتفاضة الشعبية السلمية والمطالبة بحكومة إنقاذ، حكومة جديدة قولاً وفعلاً من خلال اخصّائييين مستقلّين، تحضّر جماعة السلطة لتركيب حكومة، أوّلاً قسم منها فقط أخصائيون، والباقي سياسيون وثانياً حتّى الأخصّائيون فيها لن يكونوا مستقلّين بل مجرّد مستشارين تقنيين للمجموعة الحاكمة نفسها، بمعنى أنّ قرارهم الفعلي سيكون عند نفس المجموعة التي كانت هي في أصل خراب البلاد"، معتبراً أن "ما يجري اليوم هو قمّة انعدام الإحساس مع الناس واللامسؤولية، هو قمّة خداع الناس والاستمرار تماماً بنفس النهج الذي كان سائداً، ولو بوجوه جديدة شكلاً، قديمة ممارسةً وأسلوباً".
وأضاف "يتحدثون عن حكومة تكنوسياسية وعن ممثلين للحراك في محاولة لتقزيم المبادىء العامة للثورة ومطالبها الاقتصادية والمعيشية المحقة، وكأن مشكلة الثورة والحراك هي مشكلة حصص او تمثيل وزاري داخل السلطة او شراكة بين الثورة وبين من تثور عليهم؟ ومن يمكنه ان يدعي تمثيل الثورة والنطق بإسمها اصلا؟"، مشيراً إلى أنه "اجمعت كل الآراء على ان لبنان بحاجةٍ اليوم الى حكومة جديدة غير تقليدية يفتتح لبنان معها عهداً جديداً بعيداً عن الحكومات السابقة التي ادّت الى نشوء هذا الواقع، سواء دُعيت في السابق حكومات وحدة وطنية، او حكومات توافقية، او حكوماتٍ ميثاقية، او حكومات اكثرية واقلية".
ورأى أن "الحكومة التكنوسياسية التي تطرحها قوى السلطة اليوم ما هي الا حكومة لون واحد، لأن الأخصائيين فيها هم مجرد ديكور للقوى السياسية ذاتها التي تعمل وفق خلفيات سياسية ومصلحية وفئوية والتي افقدت لبنان ثقة الناس به داخلياً وخارجياً، فيما المطلوب اليوم حكومةً تعمل وفق خلفيات علمية واقتصادية ووفق اسلوب جديد يتميّز بالنزاهة والكفاءة والموضوعية والتجرد ويُعيد الى لبنان الثقة المفقودة وإنما لتعصف بها رياح التغيير من خلال افكارٍ نيّرة وخطواتٍ فعاّلة وسلوكٍ شفاف، وخطط علمية مدروسة قابلة للتنفيذ سريعاً".
وقال جعجع "الوضع الاقتصادي المعيشي في مكان، وقوى السلطة تتصرف وكأنها تعيش على المريّخ، لبنان ينهار بالكامل وقوى السلطة ذاتها ما تزال مُصرّة على محاولة صرف اكثريتها النيابية الدفترية في السلطة التنفيذية فيما الأكثرية الشعبية باتت في الموقع المقابل تماماً ويسألونك بعد لماذا الشعب يثور، ثم يخبرونك بعد عن مؤامراتٍ خارجية وسفارات تقف خلف الثورة؟ ان سلوك السلطة الحاكمة كفيلٌ لوحده بإشعال اضخم الثورات من دون منّةٍ من اي سفارة او اي جهة اخرى، ويلٌ لأمةٍ سائسها ثعلب وفيلسوفها مشعوذ وفنّها فن الترقيع والتقليد. ويلٌ لأمةٍ حكومتها حكومة التقليد والترقيع واعادة استنساخ القديم من جديد".
وأضاف "صحيح ان ليل الوطن حالك لكن فجر لبنان الجديد الذي يحلم به الثوار سيبزغ من جديد، صحيح ان الماضي والحاضر صنعته طبقة غير مسؤولة بغالبيتها، اوصلت الوضع الى ما هو عليه الآن، لكن لبنان المستقبل ستصنعه سواعد الثوار، وبطولات اجيال المناضلين والمقاومين، وستزهر تضحياتهم غدٍ افضل".