أما الرأي العام في الشارع الذي يغلي ويراقب، فيوجّه سؤالاً الى النواب المشاركين في جلسات "العصف اللجانية" نهاراً وليلاً، عن مصادر "وحيهم" وإيراداتهم لموازنة 2020 إن لم نقل "موازنة القرن". ويتساءل إذا ما كانت الموازنة وفق "مفهومهم المتواضع"، عبارة عن نفقات وواردات. فمن قال لهؤلاء النوّاب إنّ الإيرادات سيحملها الانهيار أو العصيان الى موازنتهم المقترِضة والمفترَضة؟! ومن أين يستمدون ثقتهم ليفترضوا أرقاماً وهمية لم تُصِب في موازنة 2019 ، حين كان البلد على شفير الافلاس! فكيف ستصيب معهم أرقام موازنة 2020 والبلد لم يعد على "الشفير"، بل قابع في قعر هاوية الافلاس؟!
ومن هناك، كيف ستتطاله ضرائب السلطة مجدّداً، في وقت يلوّح ما تبقى من وطن صامد على الارض لتلك السلطة بعصا العصيان؟
عن المشهدية في ساحة النجمة تعلّق أوساط واسعة الاطلاع بأنّها ضرورية ودستورية، ولكنها ليست أولوية لأنّها جاءت متأخّرة، ولأنّ وظيفة النائب الوطنية، واليوم تحديداً، هي "المشورة الحكومية"، ولذا من الضروري ممارسة دوره الدستوري والوطني، فيكون توجّهه الى "قصر الشعب" في بعبدا، وليس "بيت الشعب" أي البرلمان، إذ لا بدّ من رأيه في تسمية رئيس الحكومة المفترَضة، التي يجب أن تولد بصفة إنقاذية فورية، بعدما أصبح لبنان في غرفة العناية الفائقة، وبالتالي فإنّ نائب الشعب عليه الإنصات الى مطالب شعبه، وأولوية مهامه في مرحلة الفراغ الحكومي ليست درس قوانين بالت في "مقبرة اللجان"، بسبب تقاعس النواب، وليس الوقت ملائماً اليوم للتهليل لإحالة تلك القوانين الى الهيئة العامة! لأنّ الشعب يستعجل اليوم نوابه ممارسة مهامهم الدستورية وتسمية عاجلة مقترحة من قِبلهم ينقلونها إلى قصر الشعب ...فالإنجاز ليس بتصريح النواب من البرلمان بأنّهم ألغوا الصناديق والهيئات، لأنّ "حرب الالغاء" للموازنات المشبوهة كانت مُستوجبة في الماضي، كي لا نصل الى ما نحن عليه اليوم.
هل المطلوب "البطالة السياسية"؟ هكذا أجاب أحد النواب حين سُئل عن جدوى أعمال اللجان في هذه المرحلة الدقيقة. وعلى هذه الإجابة تعلّق مرجعية قانونية بالإشارة الى أنّ العمل الأهم اليوم بالنسبة للنواب هو تكثيف الضغط لتشكيل حكومة الإنقاذ وليس موازنة الإنقاذ، بالرغم من أهمية الموازنة التي يمكن أن تكون الخطوة الإنقاذية التالية التي تفرمل الإنهيار المالي، ولأنّ الثانية لن نصل إليها اذا لم نحقق الأولى! ونبّهت تلك المرجعية القانونية الى أهمية دور النائب وعمله وواجبه في اختيار الاسم المناسب لرئاسة الحكومة، وليس الطلب منه التسمية المناسبة لمصالح السياسيين، والّا يكون قد صمّ أذنيه عن مناشدات التغيير التي طالبت بها "الثورة الشريفة"...
الاوساط المطّلعة لفتت كذلك الى جانب من المسؤولية التي يتحمّلها أيضاً الرئيس المستقيل سعد الحريري، بقبوله أصلاً التفاوض في التسوية معه واستشارته قبل توجيه رئيس الجمهورية دعوته الى النواب.
وفي السياق، يغفل النواب أنّ تحصيل الايرادات هو بذاته الأمر المستحيل في المرحلة الحالية، وليس إقرار الموازنة كي يعتبروه إنجازاً! ويغفل هؤلاء، أنّ "إنتفاضة اللجان" اليوم كانت ستكرّس انجازاً لو تحققت في السابق، وتحديداً قبل الانهيار الذي يسابقها اليوم.
من جهة أخرى، ترى أوساط نيابية، أنّ على النائب القيام بواجباته الدستورية بصرف النظر عن مصير الموازنة. لافتة الى أهمية القوانين التي اقرّتها اللجان في جلساتها المكثفة، ومن أهمها إقرار استقلالية القضاء وتعديل قانون الاثراء غير المشروع...تعليق موازنات وزارات الدولة وإلغاء مساهمات عدد من المجالس والهيئات...
المجلس الأعلى اللبناني - السوري
ومن أبرز المجالس التي عَلّقت اللجان موازنتها "المجلس الأعلى اللبناني- السوري" الذي لم تتّضح كيفية عمله. فيما استغرب عدد من النواب الذين حضروا جلسات اللجان، موازنة المجلس الأعلى اللبناني - السوري التي تقارب المليون دولار سنوياً. في وقت إستوضحت "الجمهورية" مصادر عسكرية رفيعة المستوى، عمل هذا المجلس، فكشفت أنّ وثيقة الوفاق الوطني التي وُقّعت في الطائف سبّبت قيامه وصدّقها رئيس مجلس النواب بتاريخ 5/11/1989 ، مشيرة الى أنّ المجلس أُنشئ عندما كان السوريون في لبنان، لكنهم أنشأوا جهازين: الاول هو المجلس الأعلى اللبناني- السوري على مستوى سياسي من خلال تنسيق العلاقة بين رئاستي الجمهورية اللبنانية والسورية، وترأسّه نصري الخوري واستمر حتى ثورة 14 آذار... لكنّه بقي فاعلاً حتى اليوم.
أما على المستوى الثاني، فكان مكتب التنسيق اللبناني- السوري، وهو عبارة عن جهاز عسكري بين الجيشين اللبناني والسوري، وما زال قائماً حتى اللحظة، رئيسه العميد طوني النداف، وهو ينسّق العلاقة بين الجيشين "الشقيقين"، أمّا المجلس الأعلى فينسّق العلاقة السياسية - التجارية - الاقتصادية، الاستيراد والتصدير...
وبعد الإطلاع اتّضح أنّ مقرّ الامانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني- السوري وإختصاصه وملاكه وميزانيته تَحدّدت بقرار آخر صدر عن المجلس الاعلى في دمشق، صَدّق بموجبه على النظام الداخلي والمالي! وللحديث تتمة....