كان المرحوم الرئيس الراحل الياس الهراوي قد نعتَ الدولة ذات يوم بالبقرة الحلوب، إلاّ أنّه أوضح لزائريه من المزارعين أنّ البقرة بحاجة للحشيش اللازم كي يدُرّ ضرعاها، وتستطيع إشباع أولادها، وحديث الرئيس الراحل والمُوجّه يومها للمزارعين يُضمر أنّ مسؤولية علْف البقرة إنّما تقع على المزارعين وأقرانهم من العمال والفلاحين وصغار الكسَبة، أمّا الحكام والمسؤولين وأصحاب النفوذ والمعالي والنواب ومافيات المال والكهرباء والنفط والاتصالات فهم معفيون ربما، ولعلّ الترويكا التي تزعمها الرئيس الهراوي في تسعينيات القرن الماضي، مع الرئيس الراحل رفيق الحريري والرئيس نبيه بري(أطال الله في عمره) كانت مثالاً صارخاً على الاستئثار بضرعي البقرة وحليبها، فيما يبقى أولادها مُسنتون عِجاف.
إقرأ أيضًا: المقامة الخليليّة..نِسبةً للوزير علي حسن خليل
اليوم وبعد حوالي خمسين يوماً على انطلاق الانتفاضة الشعبية اللبنانية تصُحّ هواجس ومخاوف الرئيس الهراوي حول مصير البقرة الحلوب بعد أن جفّ ضرعاها، هذا في حين لم يتوانَ المزارعون في تقديم ما يلزمها من حشيشٍ وبرسيمٍ وكرسَنّة، إلاّ أنّ الممسكين بتلابيب ضرعيها لا يرحمون، ولا يشبعون، وها هي وقد خارت قواها، وتقطّعت أنفاسها، وهي مُنبطحة أرضاً منذ أكثر من شهرٍ ونصف، تستغيث ولا مُغيث، تستصرخ ولا مُجيب، والأدهى من هذا وذاك، أنّ الحكام لا يستجيبون لنداءات التّنحي، ليتولّى غيرهم علاج البقرة وعَلفها، مُصرّين على قدرتهم على شِفائها، حتى صحّ فيهم ما دار بين حكيمٍ ومُعلّمٍ رديئ الكتابة، قال الحكيم: لمَ لا تُعلّم المصارعة؟ قال المعلم: لا أُحسِنُها، قال الحكيم: هو ذا أنت تُعلّم الكتابة ولا تُحسنها.