وظهر الضباط وهم يتوسلون شيوخ العشائر أن يهدأوا، فيما استمر شيوخ العشائر بالتصعيد، وهو ما اضطر قائد شرطة المدينة وعدد من معاونيه إلى الاستقالة.
ويبدو أن الطبقة السياسية استشعرت خطر دخول العشائر على خط التظاهرات وما يمنحها من ثقل كبير وحماية من القمع، لذلك تحركت بسرعة لاحتواء الموقف.
وأول ثمار الحراك الحكومي وثيقة وقّعها شيوخ بعض عشائر مدينة البصرة تتعهد بالتزام أوامر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في ما يتعلق بسلمية التظاهرات.
وبالنسبة إلى المتظاهرين فإن الجهات التي تشدد دوما على ضرورة أن تحافظ التظاهرات على سلميتها، تضمر موقفا مضادا لحركة الاحتجاج، التي التزمت بالسلمية منذ انطلاقتها لكنها قوبلت بعنف حكومي مفرط.
وتقول مصادر سياسية عراقية إن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، التي تحولت إلى تصريف الأعمال اليومية، تتحرك فعليا باتجاه شيوخ عشائر في مناطق وسط وجنوب العراق، للتوصل إلى ما يشبه التحالف القبلي، الموجه نحو احتواء حركة الاحتجاج.
وتؤكد المصادر أن الحكومة تعرض مغريات كبيرة على شيوخ العشائر التي تلتحق بهذا الحلف، مثل منحهم درجات وظيفية يوزّعونها على مقربيهم أو منحهم تسهيلات في قطاع استملاك الأراضي وزراعتها، مشيرة إلى أن خطة الحكومة بدأت من البصرة للاستفادة من التنافس الكبير بين عشائرها وعشائر الناصرية، التي تنحاز تدريجيا نحو حركة الاحتجاج، رغم المصالح الكبيرة التي تربط بعض شيوخها بالحكومة وأحزابها السياسية.
ووفقا للمصادر، فإن الحكومة تنوي توسيع حراكها قريبا ليشمل مدينة النجف، التي يتحرك فيها المحتجون الغاضبون منذ أيام لإحراق جميع مقرات الأحزاب الموالية لإيران أو مراقد رجال الدين الذين عُرفوا برعايتهم لأحزاب الإسلام السياسي.
ويقول مراقبون إن الحكومة العراقية تستعيد نموذجا ابتكره الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، عندما أطلق ما عرف آنذاك بـ“شيوخ التسعين”، وهم شيوخ عشائر اشترى حزب البعث الحاكم آنذاك ولاءهم بالمال بعد تراجع شعبيته بفعل غزو الكويت وما تلاه من حرب وحصار في تسعينات القرن الماضي.
وحتى الساعة ما زال بعض زعماء القبائل الذين باعوا ولاءهم لصدام يعرفون بـ“شيوخ التسعين” في نسبة تحقيرية إلى تلك الحقبة، ما يشير إلى أن تعويل الحكومة على شيوخ العشائر ليقفوا ضد اتجاه الشارع، سيأتي بنتائج عكسية.