سئل الديبلوماسي: هل تأجيل الاجتماع الثلاثي، الأميركي - الفرنسي - البريطاني، الذي كان مقرَّراً عَقدُه هذا الأسبوع في لندن، يعني أنّ الجواب الذي حمله الموفد البريطاني ريتشارد مور من "حزب الله" سلبي، ولم يوافق عليه الأميركيون، وتالياً إننا مقبلون على الأسوأ؟
فأجاب: لو ألغي الاجتماع نهائياً لكان ممكناً الحديث عن سلبيات مؤكدة. أما وقد تمّ الاتفاق على الاجتماع في لندن، الأسبوع المقبل، فهذا يعني أنّ الطبخة ما زالت على النار، وأن إعطاء المزيد من الوقت ربما يهدف إلى إنضاج بعض العناصر.
ولكن، في أي حال، لا يمكن الرهان على نجاح المبادرة التي أخذها البريطانيون والفرنسيون على عاتقهم، برغبةٍ من واشنطن، سعياً إلى إنتاج تسوية مع "حزب الله" في لبنان. لكن الواضح فيها هو أنّ الأميركيين يصرّون على تبديل المعادلة السياسية القائمة منذ 2016، والتي تمنح إيران نفوذاً وازناً في السلطة.
ويُبدي الأميركيون اعتراضات قاسية على النهج الذي تعتمده أوروبا إزاء إيران، إذ تحاول تنفيس الضغوط الأميركية الاقتصادية عليها من خلال أسلوب المقايضة التجارية، لكنهم في لبنان يراعون دورها، ولاسيما دور فرنسا التقليدي، شرط ألا يخرج عن دائرة نفوذهم.
ولكن، هل التسوية ممكنة حالياً في لبنان؟ ووفق أي أسس؟
في رأي الديبلوماسي نفسه، يمكن أن تنشأ تسوية مرحلية حالياً قوامها موافقة "الحزب" على تقليص نفوذه في السلطة، أي في القرار السياسي والاقتصادي والمالي. فمن حيث المبدأ، لا مشكلة تَعايش بين الولايات المتحدة و"الحزب"، أي عندما لا تكون هذه العلاقة جزءاً من منظومة الصراع مع إيران.
يعني ذلك أنه من الممكن تشكيل حكومة جديدة يحتفظ فيها "حزب الله" بمقدار "أقلّ" من النفوذ في المرحلة الآنية. وبعد ذلك، يكون للانتخابات النيابية أن تحدّد حجم تمثيله في السلطة. والجميع يدركون أنّ لـ"الحزب" حجماً وازناً في التركيبة الطائفية اللبنانية.
لذلك، هناك رسائل خفيّة يتمّ توجيهها بين الأميركيين والإيرانيين في لبنان، خلف الرسائل المعلنة التي ينقلها الموفدون. فقد قرّر "الحزب" رفع سقف التفاوض إلى الحدّ الأقصى، ومن دون أي تنازل.
ولكن، لا يعني ذلك بالضرورة أنه سيتشبث بالنقطة التي يقف عندها ولا يتزحزح إذا أخذ في مكان آخر. فهو غالباً ما يرفع السقف ليحصل على أفضل مكان في التسوية.
وهذا ما عبَّر عنه النائب محمد رعد الذي قال: لن نقبل إلا بحكومة تراعي اتفاق الطائف، أي حكومة وحدة وطنية. وإلا فإنّ على هذه الحكومة أن تقوم بتصريف الأعمال حتى إشعار آخر، وسنحاسب كل وزير فيها يقصِّر بواجباته".
وهذا الموقف يوضح لماذا لا يوجد قرار بإجراء الاستشارات النيابية حتى اليوم. وهي بالتأكيد لن تجرى إلا ضمن التسوية - إذا نجحت- ولو طال الانتظار أشهراً. كما يتَّضح لماذا يزداد تشدُّد أحزاب السلطة في التعامل مع الانتفاضة في الشارع.
فقد انتقلت هذه الأحزاب من "الزَكزكة" في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسواهما إلى "المواجهة الخشنة" والتي قد تزداد خشونة، ليس فقط في مناطق الاعتصام المعتادة (الرينغ مثلاً) بل أيضاً في المناطق الحسّاسة (عين الرمانة - الشيّاح مثلاً) وعلى الطرق التي لها رمزيتها (طريق القصر الجمهوري مثلاً).
ومن إشارات إضاعة الوقت التي تلقَّفها المعنيون، الاجتماع المالي الأخير في بعبدا. فبدلاً من الذهاب مباشرة إلى الحلّ، أي تشكيل الحكومة التي توحي الثقة وتتكفّل بتجميد الانهيار وبدء المعالجة، جرت في الاجتماع محاولة لتنظيم الأمر الواقع أو لترقيعِه كُلِّف بها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وجمعية المصارف.
لقد دفعت قوى السلطة بالأزمة إلى التدويل، إذ انطلقت أساساً من كونها حرباً تخوضها الولايات المتحدة ضد إيران. وهذه السلطة تصنِّف نفسها طرفاً في هذا الصراع، إلى جانب إيران. وهنا يكمن الخطر على لبنان.
ولو استجابت السلطة للانتفاضة الشعبية وحققت مطالبها بالشفافية والنظافة واسترداد الأموال المنهوبة لبقيت الأزمة محصورة بدائرتها المحلية، وانتفى مبرِّر التدويل.
أما وقد أصبحت الأزمة بكاملها جزءاً من "الكباش" الأميركي - الإيراني، فإنّ المتابعين يخشون أن تنتصر وجهات النظر المتشدِّدة، سواء في واشنطن أو في طهران. ما يعني أنّ لبنان سيعاني كثيراً… والبعض يخشى أن ينسحق البلد في "الكباش"، تحت القبضات الضاغطة بعنف.
لذلك، هناك فرصة ثمينة للأوروبيين كي ينتجوا التسوية، تمهيداً لضَخّ الدم مجدداً في الجسد اللبناني الهزيل والمترهّل. وسيكون اجتماع لندن، الاسبوع المقبل، محطة مهمّة لإحداث فجوة في الجدار.
فهل يكون التصعيد المتبادل اليوم مقدمة للتسوية المرحلية المطلوبة أم يمهِّد لمرحلة تصعيد مفتوحة تأخذ لبنان إلى المجهول؟
كثيرون يعبّرون عن الخشية من الأسوأ، ويقولون: إنهما أسبوعان حاسمان بكل المقاييس. بعدها يدخل الجميع في الأعياد حتى إطلالة العام الجديد، وهو العام الذي تصبح فيه الاستحقاقات اللبنانية ثقيلة جداً ومُكلفة جداً، لا في السياسة والمال والاقتصاد فحسب، بل ربما في الأمن أيضاً. ألا يقال إنّ "الجوع كافر"؟