من الواضح أن عملية تشكيل الحكومة تحولت إلى لعبة بورصة إنعدام المسؤولية لم يضع المفاوضات على السكة الصحيحة لإجراء الإستشارات النيابية سريعاً وتكليف شخصية بتشكيل الحكومة، وهذا يعني ليس تعطيل الحكومة فقط، بل تعطيل كل دورة المؤسسات في البلاد وعلى رأسها مجلس النواب، الذي تقع على عاتقه عملية تسمية الشخصية التي يختارها النواب لتشكيل الحكومة.
على هذا الاساس تزداد الخشيةُ في بيروت من أن يكون البلد يتّجه نحو أزمة مفتوحة وبلا أفق يَرْفع من مخاطرها أنها تترنّح فوق مثلّث مخاطر يشكّله مأزقُ تأليف الحكومة والواقعُ المالي الاقتصادي المتهاوي وأجراسُ الإنذار الأمنية.
وإذا كان الترحيل المتوالي للمواعيد التي تُضرب إعلامياً للاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة يشكّل الإشارةَ الأوضح إلى استمرار التعثّر في هذا الملف، فإن أوساطاً مطلعة تعتبر أن المُراوحةَ القاتلة التي يصعب كسْرها تُخْفي قطباً لم تعد مَخْفية حيال جوهر الأزمة وذلك من خلف غبار المكائد ولعبة تقاذُف كرة المسؤولية عن عدم بلوغ تفاهُم حتى الساعة على حكومة رسم حزب الله إطارها العام، تحت عنوان أنه لا يمكن تشكيلها إلا برئاسة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري أو بمَن ينتدبه الأخير بديلاً عنه، وذلك على قواعد يلتقي فيها الحزب مع فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وقوامها الضغط في اتجاه إبقاء القديم على قدمه مع تعديلات شكلية يقترحها على تشكيلة لن يقبل بأن تكون إلا تكنو سياسية وتحفظ نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفي هذا الإطار، تقول الأوساط، إن ما يرافق الصعود والهبوط في أسهم سمير الخطيب، الذي دَخل اسمه بورصة المرشحين لتكليفه تشكيل الحكومة بعيد إعلان الحريري عزوفه عن هذه المهمة قبل أيام، يندرج في سياق المسار نفسه الذي جرّ قبْله اسميْ الوزيرين السابقين محمد الصفدي ثم بهيج طبارة إلى المحرقة والذي يرتبط بشروط التأليف التي يمكن اختصارها بالآتي
رفْض الحريري تولي رئاسة حكومة إلا بـشروط الشارع وتوحي بالثقة للمجتمع الدولي أي مؤلفة من اختصاصيين مستقلين، وفي الوقت نفسه عدم استعداده لتغطية أي شخصية سنية بديلة خارج إطار أن تستحصل الحكومة الجديدة على صلاحيات تشريعية استثنائية وأن يختار الرئيس المكلف أسماء الوزراء الاختصاصيين على أن يتمتّع بحق الفيتو على الوزراء السياسيين بما يمْنع عودة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل إلى الحكومة.
معاودة تعويم معادلة الحريري وباسيل، إما معاً في الحكومة أو خارجها، وصولاً حتى إلى التقارير عن الإصرار على توزير رئيس التيار الحر في الحكومة التكنو سياسية وأن الأخير يشترط تسمية أربعة وزراء للتيار في حكومة من 24 على أن يحتفظ بحقائب الخارجية أو الداخلية، يتولّاها هو شخصياً، والطاقة والبيئة والدفاع، في مقابل معلومات عن تمسك باسيل بفصْل حصة التيار عن حصة رئيس الجمهورية، الأمر الذي يعكس استعادة للنهج الذي حَكَمَ تشكيل حكومات ما قبل الثورة.
الخلاصة ان الوضع الآن في غاية الدقة والصعوبة والامتحان والبعض يعتقد أن هذه مرحلة عض الأصابع. واقع الأمر هو انه في حال نجاح السلطة في قمع الثورة ، ستعود السلطة وازلامها الى الحكم ليستفحلوا ويُلقنِوا دروساً للذين تجرأوا على مساءلتهم ومحاسبتهم وليتحكموا بالناس.
بعض المصادر تتحدث ان الدول الغربية بدأت تدرك أن مفتاح حماية لبنان من الفوضى والانهيار التام هو في الضغط على طهران واتخاذ اجراءات عقابية ضدها وضد حزب الله وحلفائه في لبنان. خصوصاً بعد ان استطاعت الولايات المتحدة النجاح في ضمان عدم هرولة فرنسا الى تقديم المعونات المالية الى حكومة التسوية التي كانت عبارة عن قيادة حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر فعليّاً وضمنياً إنما في مركبة يبدو شكلياً أن قبطانها تيار المستقبل بشخص سعد الحريري. حتى الآن، نجحت واشنطن في تغيير المقاربة الفرنسية للازمة وضمان الدعم الأوروبي لمطالب اللبنانيين بأن تكون الحكومة مؤلفة من أخصّائيين وليس من سياسيين تابعين لرجال السلطة التقليديين تحت أمرة ذلك التحالف . لعل الامر سيستغرق بعض الوقت. لذلك من الضروري الصبر والمثابرة وإثبات القدرة على التحمّل والتفكير بروية واقعية ، إذا كان لهذه الثورة البقاء على قيد الحياة لتحقيق أهدافها النبيلة.