لم يسفر اختيار حكومة عادل عبدالمهدي لطريق الدم في مواجهة الانتفاضة السلمية، سوى عن تزايد إصرار الشباب الثائرين على تحقيق أهدافهم النبيلة مهما كانت التضحيات، من أجل إحياء صورة العراق، الذي حكى عنها الآباء والأجداد، بعد أن عمل الاحتلال الإيراني على محوها من ذاكرتهم.
لم تعد هناك مساحة رمادية يمكن اللعب فيها بشيطنة الانتفاضة بأوهام المندسين، لأن الصور الحية اليومية تكشف بشاعة العنف الذي لم يحصل في تاريخ الدكتاتوريين والجلادين، مثل سجن أحد الشبان في ثلاجة بعد تعذيبه ليتركوه يموت متجمدا، لولا إنقاذه من قبل رفاقه.
عزم المنتفضين ووضوح هدفهم الوطني كشفا زيف السلطة وأحزابها وأسقطا الستار عن مشروع القتل، في وقت تلوذ فيه المنظمات العالمية، التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بالصمت عن مسلسل الجرائم البشعة، التي ترتكبها الحكومة بأوامر إيرانية.
ويبدو أن التدمير والانحدار في جرائم قتل الشباب المتواصلة منذ الأول من أكتوبر وإلى حد اليوم، أصبحا ملجأهم الأخير، مع آخر ما يمتلكونه من أسلحة النفاق واللعب الرخيص بأدوات مؤسسات العملية السياسية الطائفية الفاسدة.
لم تعد مجدية العروض المزيفة لإجراء تعديلات في قانون الانتخابات ومفوضيتها أو تعديلات دستورية عبر البرلمان، التي تسعى يائسة لإسقاط الذرائع وسحب البساط من استراتيجية انتفاضة أكتوبر الباسلة.
السلطة، وأحزابها ومن خلفها محركها الرئيسي في طهران، تسعى إلى توظيف قدرات الماكنة الإعلامية الإيرانية والداخلية العراقية لتشويه الانتفاضة العراقية وأهدافها النبيلة عن طريق مضاعفة إمكانيات تلك الأدوات إلى أقصى مدياتها.
وقد عززت جهودها في مضاعفة أعداد المجندين المرتزقة في بعض الصحف العراقية الطائفية الفاشلة والفضائيات، ممن يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين مع أنهم معروفون داخل أوساط البغداديين بأنهم موظفون حكوميون تابعون لأجهزة استخبارية وميليشياوية.
كما لجأت إلى تكثيف تشغيل الجيوش الإلكترونية لإسقاط هيبة الانتفاضة وشبابها الصامدين. لكن ظهور شاب عراقي منتفض لمدة خمس دقائق يدعى مهتدى أبوالجود على إحدى الفضائيات العراقية قبل يومين انتصر لقضية وطنه وهزم جميع تلك الجيوش الإعلامية.
فشلت مراهنة الحكومة وأحزابها على الوقت والدليل على ذلك تزايد أعداد المتظاهرين والمعتصمين السلميين في ميدان التحرير في بغداد ومدن الجنوب الباسلة في البصرة والناصرية وكربلاء والديوانية والنجف رغم قساوة العنف والقتل.
وقد أطلق أحد الشباب الأبطال ردّ الانتفاضة عبر إحدى الفضائيات بالقول “لن نخاف من البرد والشتاء ولو أمطرت السماء سكاكين وحجارة فلن نتراجع، وإن الله معنا”.
ولم تجد “خلية الأزمة” التابعة للميليشيات والأجهزة الاستخبارية التابعة لإيران سوى ترويج اتهامات مثيرة للسخرية في محاولات يائسة للإجهاز على الانتفاضة، حتى أن الانحطاط وصل إلى كلام رخيص يصف المحتجين بأنهم مجموعة من الشباب العاطلين، الذين لا يمتلكون وعيا سياسيا مقارنة برموز الإعلاميين المرتزقة من “فطاحل” قادة أحزاب السلطة الغارقين بالفساد والعمالة للأجنبي.
حملات التشويه الخاسرة تنطلق من المراهنة على تشتيت أهداف المنتفضين وإحداث شرخ في وحدة ومتانة أهدافهم، إضافة إلى الإصرار على محاولة إلصاق تهمة الدعم الخارجي لزعزعة الدعم والتلاحم الشعبي، في وقت يتندر فيه العراقيون من تلك الاتهامات الموجهة للشباب المنتفضين لقضية مقدسة، ولا يمتلكون سوى صدورهم العارية ومساندة العمق الاجتماعي العراقي.
يوما بعد يوم يزداد زخم الانتفاضة، وإصرارها الثابت منذ بيانها الأول على خارطة طريق التغيير، التي محورها إقالة حكومة القناصين إكراما لعوائل الشهداء، وتغيير قانون ومفوضية الانتخابات وحل البرلمان وإقامة انتخابات مبكرة بإشراف أممي لضمان إقصاء الأحزاب الحالية.
برهنت هذه الانتفاضة على سلميتها رغم وسائل الضغط لإخراجها من سلميتها من أجل تبرير سحقها الدموي. وقد نجحت في إفشال تلك الخطط وإيصال صوتها إلى العالم وإلى من كانوا يراهنون على نظام قاتل لشعبه.
وقد نجح الشبان المنتفضون في إحداث صدمة في الساحة المحلية والعربية والدولية بوعيهم العالي وثقافتهم الراقية ووطينتهم التي قبرت الطائفية في العراق وأزلامها إلى الأبد.