ربما علينا أن نتوقع ذلك. فالولايات المتحدة التي صنعت مأساة العراق حين وضعته على السكة التي قادته إلى إيران لا تنظر بشيء من المسؤولية إلى ما يجري في ذلك البلد المنكوب.
لقد تم تزوير العديد من الوثائق، التي تعفي واشنطن من مسؤولية السماح للميليشيات الإيرانية بالدخول إلى الأراضي العراقية بعد الاحتلال الأميركي. وهو ما لا يمكن تصديقه.
لا يمكن أن نصدق أن الجيش الأميركي كان غافلا عن تسلل الميليشيات عبر الحدود العراقية ــ الإيرانية.
فالوقائع ليست بعيدة تاريخيا. كانت سلطة الاحتلال قد تعمدت فتح حدود العراق مع إيران وسوريا من أجل أن تتسلل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية من كلا الجانبين.
سمح الأميركان لإيران بأن تدخل ميليشياتها قبل أن تقوم حكومة عراقية.
في المقابل فقد سمحوا للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة بالدخول إلى الأراضي العراقية من سوريا.
النظام السوري كان متعاونا مثلما هو حال النظام الإيراني. وإذا ما عرفنا أن النظامين يتعاونان مخابراتيا في ما بينهما فإن التنظيمات الشيعية والسنية الإرهابية كان يجري الإشراف على إدخالها إلى ساحة العمليات من قبل طرف ثالث هو الجيش الأميركي.
تلك فرضية يمكن أن تكون صحيحة في ظل أوامر صدرت من سلطة الاحتلال بفتح الحدود العراقية أمام كل من هب ودب.
لذلك فإن إلقاء تبعة دخول الميليشيات التابعة لإيران على عاتق الحكومات العراقية هو فرية، يُراد من خلالها تزوير التاريخ بحيث تتم تبرئة الأطراف التي ساهمت في القيام بتلك العملية وفي مقدمتها الطرف الأميركي.
وكما يبدو فإن العراق كان ضحية لمؤامرة اشتركت في التخطيط لها وتنفيذها أطراف تبدو من الخارج كما لو أنها متناحرة غير أنها في الحقيقة كانت تسعى إلى تحقيق هدف واحد هو تدمير العراق.
فالقاعدة وما تفرّع منها من تنظيمات إرهابية هي العدو للميليشيات الإيرانية وإذ يسر النظام السوري مهمة التنظيمات السنية المسلحة فإنه يرتبط بعلاقات استراتيجية مع إيران. كما أن النظامين هما محل كراهية الولايات المتحدة، التي حاربت قواتها بشكل مباشر التنظيمات المتشددة التي دخلت من سوريا، فيما احتضنت الميليشيات القادمة من إيران باعتبارها جزءا من تشكيلة الحكم الذي تحوّل تدريجيا إلى الحاضنة الإيرانية.
كان عماد مغنية، الذي قُتل في ما بعد وهو أحد كوادر حزب الله المتقدمة، قد أشرف بنفسه على ترحيل الجماعات الإرهابية من سوريا إلى العراق. بمعنى أن إيران بالاتفاق مع سلطة الاحتلال الأميركي كانت مسؤولة عن هجرة الجماعات الإرهابية إلى غرب العراق.
وهو ما صار واضحا بشكل سافر حين أمر رئيس الوزراء نوري المالكي الجيش العراقي بالانسحاب من الموصل من أجل أن يحتلها تنظيم داعش عام 2014. لم يكن ذلك التصرف بعيدا عن اتفاق إيراني ــ أميركي، كان الغرض منه إنهاء حالة التمرد التي تعيشها المحافظات ذات الأغلبية السنية. قدم مقاتلو داعش من سوريا بضمانة إيرانية من أجل أن يستولوا على أسلحة أميركية حديثة، كان الجيش العراقي قد تركها لهم بعد أن أعلن عن هزيمته من غير قتال.
تعيدنا واقعة الموصل السوداء إلى ماض من الصفقات الإيرانية ــ الأميركية التي لم يكن النظام السوري بريئا من المشاركة فيها. وهي صفقات كان لحزب الله المتبنى سوريا وإيرانيا ضلع فيها، بالرغم من أن ذلك الحزب يقاتل في سوريا تنظيمات مسلحة تنتمي إلى الخط “الجهادي” نفسه الذي تنتمي إليه التنظيمات التي دخلت إلى العراق.
خلاصة القول إن ما تنكره الولايات المتحدة اليوم من تورطها في إدخال الميليشيات الشيعية إلى العراق يمكن أن يفتح الباب على دورها المريب لا في السماح لتلك الميليشيات بالتسلل إلى العراق عبر الحدود الإيرانية ــ العراقية المفتوحة، بل وأيضا على دخول تنظيم القاعدة وملحقاته بالتعاون مع النظامين السوري والعراقي.
لذلك فحين تكون واشنطن غير معنية بما يجري في بغداد فإن ذلك إنما يعبّر عن موقف جوهري كانت الولايات المتحدة قد اتخذته من العراق، البلد الذي ينبغي أن يذهب إلى خرابه.