في يوم واحد، 24 من هذا الشهر، سحق الحرس الثوري الإيراني الآلاف من المتظاهرين في إيران ليزجهم في المعتقلات، ويواجهوا التعذيب والاتهامات الجاهزة والقتل. ورفعت القوات التابعة له في العراق وتيرة القتل بين المتظاهرين ليسقط تسعة منهم على الأقل فوق المئات من الجرحى الجدد. وخرجت ميليشيات حزب الله وحركة أمل لتهاجم المتظاهرين السلميين في لبنان.
إنما لكي يفهم الجميع أن القرار بالسحق الجماعي قد صدر من طهران وأن التنفيذ صار واجبا على كل الميليشيات مهما كلف الثمن.
ولسوف تعمل تلك الميليشيات كل ما بوسعها لتقتل وتجرح وتعتقل وتعذب حتى يعود الأمر لها وينكسر الحراك الذي جمع عشرات الملايين من البشر، ليعودوا فيناموا على قهر وظلم وفقر. وليبحث الولي السفيه عن بدائل سحرية لطبخة الفساد بين المسؤولين، الذين يعينهم بنفسه هنا وهناك.
يدرك ولي الشيطان والجريمة، أنه يستطيع أن يقتل ويعتقل ويعذب ما شاء له الهوى في إيران. فالسلطة سلطته، والسجون سجونه، والجوع، المفروض على 60 مليون فقير، جوعه.
الملفت في عملية الهجوم المنسقة التي قامت بها عصابات "حزب الله" و"حركة أمل"، أنها رفعت شعار "شيعة، شيعة"
العراق مشكلة. وهذه يملك لها العشرات من الميليشيات. إلا أنها تبدو محاصرة أكثر فأكثر. وكلما زادت في أعمال العنف ضد المتظاهرين، زاد المتظاهرون تحديا.
حكاية “المظلومية الشيعية” سقطت. وهي لا أكثر من نظرية خبيثة للفصل الطائفي بين أبناء الوطن الواحد. فالشيعة العراقيون هم الذين يتصدرون التظاهرات، ومدنهم هي التي تنتفض. وهم الذين يواجهون جرائم ميليشيات “شيعة” آخرين، سبق لها أن سحقت مدن السنة ودمرتها شر دمار وشردت الملايين من أهلها، لتقول إن سلطانها فوق الجميع، وإنها “طائفة” من طراز خاص.
والفساد مكشوفٌ، مكشوفٌ، مكشوف، إلى حد بات يثير التقيؤ بين الملايين من البشر، حتى لكأنه وباء كوليرا حقيقي. وصاحبهم معروفٌ، معروفٌ، معروف، إلى حد يثير العجب على وقاحته وقبح وجهه القميء.
وليس في علم أحد أنه يمكن للظلم أن يستمر. فالدمار الذي لحق بالملايين من المضطهدين والجياع، لم يبق لهم خيارا.
ولقد صبروا على الفقر 40 عاما في إيران، وصبروا على مشروع الكراهية الطائفية 16 عاما في العراق، كما صبروا على جمهورية “الثلث المعطل” الإسلامية التابعة لحزب الله في لبنان 30 عاما، وما حصلوا إلا على الإحباط والفقر والفشل.
لبنان مشكلة أكبر. فهناك غطاء من التوريات يضع ميليشيات ولي الشيطان أمام محنة كبيرة، لأنها لا تستطيع أن تطلق النار، رغم أنها مدججة بالسلاح. وهناك جيش مُلزم بسبب طبيعة وظيفته، ألا يكون أكثر من أداة فصل. لا هو قادر على حماية المتظاهرين ولا هو قادر على ردع المعتدين.
الملفت في عملية الهجوم المنسقة التي قامت بها عصابات “حزب الله” و”حركة أمل”، أنها رفعت شعار “شيعة، شيعة” بينما كان المتظاهرون يرددون “ثورة، ثورة”.
لم يكن في الأمر أي خطأ من أخطاء التكتيكات الفقهية البليدة. فالتحرك المشترك بين “حزب الله” و”حركة أمل”، قال بوضوح إن الأوامر صدرت للطرفين من مركز قيادة واحد.
أما شعار “شيعة، شيعة” فقد أراد أن يقول إن هؤلاء هم شعب الله المختار الجديد، لأنهم أعلى من أن يطالهم تغيير، بل وأعلى من أي هوية وطنية جامعة يطالب بها اللبنانيون. هم “شيعة” وليسوا “لبنانيين”. فهاتان هويتان مختلفتان. وهم يتبعون “إماما”، ولا يتبعون دولة. وأنهم فوق “الدولة”. يجيّرونها لحساب وليّهم وميليشياته، ولا تستطيع “الدولة” أن تجيّرهم لأي غرض، ولو ركبوا على رأسها، ولو عطلوها أو أفسدوا فيها، أو أنشأوا دولة أخرى موازية لها.
إنهم شعب الله المختار الذي إذا ما قاد قادتهم الفساد، فإنه مشروع. وإذا ما أجرموا بحق المتظاهرين السلميين، فإن إجرامهم مشروع. وإذا ما حرموا الملايين من حقهم في العيش الكريم، فإنه مشروع. وإذا ما احتلوا بالحرام أرضا وسلطة، فإن احتلالهم مشروع. ولو قتلوا ودمروا وحطموا شعوبا ودولا بأسرها، فإن كل ما يفعلونه مشروع وله ما يبرره.
هؤلاء هم شعب الله المختار الجديد. إنهم إسرائيل الجديدة، التي يمكنها أن تفعل ما تشاء.