تمسك حزب الله بتشكيل حكومة على مقاس طموحاته يهدف لتحويل لبنان إلى مجرّد ورقة إيرانية.
تعمّقت الأزمة السياسية في لبنان وباتت مرشحة لأن تطول بعدما قرّر حزب الله النزول إلى الشارع وقمع الثورة الشعبية التي يشهدها البلد منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي. وعزز وجهة النظر التي ترجح استمرار الأزمة السياسية طويلا تفادي رئيس الجمهورية ميشال عون تحديد موعد لاستشارات نيابية ملزمة تتحدّد في ضوئها الشخصية السنية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
وكشفت أوساط سياسية لبنانية أنّ سببين أساسيين دفعا الحزب إلى إنزال مقاتليه إلى الشارع والاعتداء على المواطنين العاديين وعلى قوات الأمن وتحطيم سيارات وسرقة محلات تجارية مساء الأحد الماضي بمشاركة عناصر من حركة “أمل”.
وكان ملفتا أن التحركات التي قام بها حزب الله مع عناصر من حركة أمل ترافقت مع إطلاق صيحة “شيعة شيعة”، مع ما يعنيه ذلك من رغبة مكبوتة في الإعلان عن الحزب والحركة اللذين يختزلان الطائفة الشيعية في لبنان، وهو ما يسمّيه رئيس الجمهورية ميشال عون “ثلث لبنان”.
وأوضحت الأوساط أن السبب الأول هو تأكيد السيطرة على وسط بيروت والتحكّم بالطريق الرئيسي الذي يربط بين المنطقتين الشرقية (ذات الأكثرية المسيحية) والغربية (ذات الأكثرية الشيعية). وأشارت إلى أن ذلك يعني رغبة حزب الله في الإعلان عن أنّه يسيطر عمليا على العاصمة اللبنانية وفي استطاعته قطع شرايين الحياة فيها.
ويعود السبب الآخر لنزول حزب الله إلى الشارع بشكل علني، عندما رفع مقاتلوه أعلام الحزب ورموا الحجارة على قوات الأمن في ظلّ هذه الأعلام، إلى الرغبة في توجيه رسالة مباشرة إلى سعد الحريري.
وقالت الأوساط السياسية إن الأحداث الدامية، التي سقط فيها جرحى، وقعت في منطقة ليست بعيدة عن مقر إقامة الحريري الذي أكد المرة تلو الأخرى رفضه تولي موقع رئيس مجلس الوزراء في حال لم يكن مطلق اليدين في تشكيل حكومة تضم وزراء اختصاصيين فقط.
وذكرت الأوساط السياسية اللبنانية أن الحريري أبلغ صراحة ممثلين للحزب التقاهم حديثا بأنه ليست لديه أي نية لتشكيل حكومة تضم سياسيين ينتمون إلى أحزاب لبنانية، بما في ذلك حزب الله. وقال سياسي لبناني إن رئيس الحكومة المستقيلة أكد لحزب الله أن هذا هو موقفه النهائي وأن لا مجال للتراجع عنه مهما بلغت درجة الضغوطات التي سيتعرّض لها.
وأوضح هذا السياسي اللبناني أن موقف الحريري ترك استياء شديدا لدى حزب الله الذي يريد في هذه المرحلة استخدامه غطاء لحكومة يسيطر عليها عمليا عن طريق التحالف القائم بينه وبين التيّار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية.
وأكدت أوساط قريبة من الحريري أنّه يدرك تماما عمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، خصوصا القطاع المصرفي فيه. وزادت هذه الأوساط أنّ أكثر ما يدركه رئيس الحكومة المستقيلة أنّ لا مجال للحصول على أي مساعدات عربية أو دولية، خصوصا من الولايات المتحدة، في حال تمثّل حزب الله في الحكومة كما الحال في الحكومة المستقيلة التي للحزب فيها ثلاثة وزراء، بمن فيهم وزير الصحّة.
وتوقعت الأوساط اللبنانية استمرار الأزمة السياسية في لبنان طويلا في ظلّ إصرار حزب الله على تشكيل حكومة على مقاس طموحاته التي تصبّ في تحويل لبنان إلى مجرّد ورقة إيرانية.
ولاحظت في هذا المجال نقاط ضعف يعاني منها الحزب، خصوصا أن الثورة تشمل كلّ المناطق اللبنانية، بما في ذلك مناطق يعتبرها الحزب تابعة له في الجنوب والبقاع. وهذا ما يفسّر إطلاق هتاف “شيعة شيعة” بهدف التغطية على بداية تراجع شعبية الحزب لدى البيئة الشيعية من جهة، وإظهار أن الحزب وحركة أمل يمثلان كلّ شيعة لبنان من جهة أخرى. وجاء ذلك في وقت كان هناك المئات من أبناء الطائفة بين الثوار الذين هاجمهم الحزب بعنف شديد في وسط بيروت.
ولوحظ أن المنابر الإعلامية القريبة من حزب الله بدأت تروج إلى أن العواصم الغربية، بما في ذلك واشنطن، لا تمانع مشاركة حزب الله في الحكومة المقبلة، وتنشر تقارير عن رؤية فرنسية بريطانية لا تريد مواجهة حزب الله في لبنان، وأنها لم تعد متمسكة بالحريري لرئاسة الحكومة المقبلة كشرط للإفراج عن الدعم المالي، سواء ذلك المرتبط بمؤتمر سيدر أو ذلك العاجل، الذي قد تفرج عنه هذه العواصم فور تشكيل هذه الحكومة.
ورأت بعض الأوساط السياسية أن تحرك لندن بعد باريس باتجاه لبنان يكشف عن قلق دولي حقيقي حيال الأزمة الراهنة، وعن حرص على الدفع بالمبادرات لمساعدة اللبنانيين للخروج من مأزقهم.
ونقلت مصادر صحافية محلية عن مصدر مطلع توقعه وصول موفد روسي إلى بيروت الأربعاء، فيما زار بيروت الاثنين المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور وهو خبير في شؤون المنطقة وملم بالملف الإيراني.
وتهدف الزيارة إلى لقاء الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، وقائد الجيش العماد جوزيف عون. وعلى الرغم من عدم وجود مبادرة معينة يحملها الموفد البريطاني والتأكيد أن طابعها استطلاعي، رصد المراقبون من خلال هذه الزيارة الجديدة لموفد لندن، تأكيد الاهتمام الأوروبي بالشأن اللبناني والإصرار على متابعته.
وحملت زيارة مور طابعا خاصا كون الرجل هو الشخصية الثانية في وزارة الخارجية البريطانية وهو واحد من أهم المفاوضين في الملف النووي الإيراني.
وتأتي الزيارة بعد زيارة الموفد الفرنسي كريستوف فارنو في 13 نوفمبر الجاري، وبعد اجتماع دبلوماسي عالي المستوى جرى في باريس الأسبوع الماضي وضم إلى فارنو كلا من المبعوث الفرنسي لمؤتمر “سيدر” السفير بيير دوكين، والمسؤول عن الشرق الأوسط في قصر الرئاسة باتريك دوريل، ومساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط دافيد شينكر، ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق.
ويرى مراقبون أن الأزمة اللبنانية آخذة في التطور لتصبح شأنا دوليا، وأن واشنطن وموسكو كما باريس ولندن في حالة تواصل دائم وسط أجواء بفقدان الإجماع الدولي لتوفير قاعدة تفاهم حول لبنان.
وتوجهت أنظار المراقبين في هذا الصدد، الاثنين، إلى نيويورك حيث كان لبنان حاضرا على طاولة مجلس الأمن لبحث تطبيقات القرار 1701. واللافت أن المجلس ناقش أيضا ما تطرق إليه من أمر الحراك الشعبي اللبناني المندلع منذ 17 أكتوبر الماضي.