ورغم ضغط الاحتجاجات المطلبية غير المسبوقة منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين في 2003، تتمسك السلطة بنظام المحاصصة.
وبحسب الخبير الاقتصادي علي المولوي، فقد زاد عدد موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف ما كانت عليه الحال سنة 2003، بينما كانت الزيادة في الرواتب التي تدفع لهؤلاء بما قدره تسعة أضعاف.
وبلغ حجم رواتب القطاع العام 36 مليار دولار، أي نحو ثلث موازنة العام 2019 التي تعد الأكبر في التاريخ الحديث للعراق. ومن المتوقع أن ترتفع قيمة هذه الرواتب في موازنة 2020، مع سعي السلطات لزيادة الإنفاق وتوفير المزيد من الوظائف أملا في تهدئة المحتجين، ومحاولة خفض نسبة البطالة التي تبلغ 25 بالمئة لدى الشباب.
ويقول مصدر حكومي إنّ المناصب باتت تخضع لمنطق البيع والشراء، موضحا أنّ “وزارة معينة تخصص لحزب سياسي ويقوم الأخير ببيع المناصب فيها لمن يدفع المبلغ الأكبر”. ويشير إلى أن بعض الوزارات بيعت مناصبها بـ20 مليون دولار.
وفي بلد متعدد الطوائف والانتماءات، باتت هذه العوامل أساسية في التعيينات الرسمية، بحسب الباحث العراقي حارث حسن.
ويوضح حسن أنّ صيغة الحكم الإثني الطائفي وزعت السلطة والموارد بين العديد من اللاّعبين المؤثرين في التركيبة الحاكمة، مشيرا إلى أن هؤلاء استفادوا من ضعف المؤسسات الرسمية لتعزيز سلطاتهم الذاتية.
وفي الآونة الأخيرة، وبينما كان عشرات الآلاف من العراقيين في الشارع يطالبون بإسقاط النظام، تسربت قائمة بتعيين عدد كبير من المدراء العامين والوكلاء في الوزارات وفق انتماءات حزبية وسياسية.
فعلى سبيل المثال، عيّن فالح شقيق هادي العامري رئيس ائتلاف الفتح وزعيم ميليشيا بدر المقربة من إيران وأحد الداعمين لوصول عبدالمهدي إلى السلطة، رئيسا لدائرة المنظمات في وزارة الخارجية والتي تتعامل مع غالبية المنظمات الدولية.
وبحسب دبلوماسي عراقي طلب عدم كشف اسمه، لا يتقن فالح العامري الإنكليزية، ولم يسبق له شغل منصب رسمي. كما عيّنت شقيقة العامري مستشارة في وزارة الخارجية.
وعيّن جعفر الصدر، ابن عم رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، سفيرا للعراق في لندن وهو أيضا لا يجيد الإنكليزية. كما عيّن أحمد الصدر ابن شقيق مقتدى في منصب السكرتير الأول في السفارة.
وبحسب المصدر ذاته، لا يمكن شغل هذا المنصب قبل 13 عاما من الخدمة في السلك الدبلوماسي، وهو أمر غير متوافر في الموظف المعيّن. ويتساءل المصدر ذاته “كيف لبلد مثل العراق التواصل مع العالم وإيصال مشاكله عبر تعيينات لأشخاص دون كفاءة ولم يعملوا في مجال الدبلوماسية، ولم يوقعوا في حياتهم على ورقة واحدة ولم يتخذوا قرارا”.
ويسمع المتظاهرون بوعود وخطوات تبقى عمليا دون أي تطبيق فعلي. ففي مجال مكافحة الفساد المالي على سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء قائمة بـ60 اسما من المتورطين وأحالهم على هيئة النزاهة المختصة نظريا بمكافحة الفساد في الإدارات الرسمية، وإن كان دورها شبه معطل بسبب الضغوط السياسية المتبادلة من قبل أطراف مختلفة.
وأصدرت الهيئة أوامر توقيف بحق مسؤولين غالبيتهم من الوزراء والمحافظين السابقين، لكن يرجح أن تبقى حبرا على ورق لأن غالبيتهم خارج البلاد، والبقية اتهموا بقضايا صغيرة لا تقارن بحجم الشبهات التي تحوم حول المسؤولين الكبار.
وباتت المناصب الرسمية جزءا من وضع يد الأحزاب على مقدرات الدولة ومواردها المالية والعقود والاستثمارات. وفي خضم ذلك، كرّر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، دعوة حكومة عبدالمهدي إلى إصلاح جدي، كما سبق له أن دعا رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى القيام بذلك في الأعوام الماضية.
غير أن السيستاني، ورغم ما له من مكانة دينية، بدأ يفقد مصداقيته بسبب تكراره نفس الدعوات في ما بدا أنّه محاولات لإنقاذ النظام عبر تسويق فكرة إصلاحه، وهو ما تجاوزه الشارع العراقي عمليا بدعوته إلى إسقاط النظام وتغييره جذريا.
وفي خطبة الجمعة الماضية أبرز وكيل المرجع الأعلى مجدّدا ضرورة الإسراع في إنجاز قانون جديد للانتخابات.
ويقول المصدر المقرب من السلطة إنّ الإصلاحات التي دعت إليها المرجعية والكثير من الشخصيات المشاركة في السلطة أو القريبة منها “تستهدف الغصن الذي يقفون عليه”، لأن أي قانون يتيح للمستقلين شغل مقاعد برلمانية “لا يناسبهم ويقوّض وجودهم”.
ويقول متظاهر شابّ بساحة التحرير في العاصمة بغداد “ إن ما نريده هو طرد ومحاسبة كل هؤلاء السراق والفاسدين الذين أحرقوا العراق ودمّروا أرضه وخيراته وسرقوا قوت شعبه”.