لو اقتحموا قصر بعبدا، واحتلّوا مجلس النوّاب وأحرقوا السراي الحكومي... 5 شباب قاصرين لا يستحقّون التوقيف لساعات في المخافر والنظارات، و5 عائلات لا تستحقّ حرق أعصابها من أجل تنفيذ قانون تعسّفي على 5 مراهقين مندفعين في ثورة وطنية، و5 أمهات لا تستحقّ الطريق دموعهنّ وهنّ ينتظرن أولادهنّ الأبرياء الموقوفين في غابة الفاسدين.
كلّما حاول الشعب منح مهلة للطبقة الحاكمة، وكلّما فكّرت الناس في تخفيف وتيرة الاحتجاجات وقطع الطرقات، يأتيهم قرار غبي أو خطاب بال أو تصرّف استعباطي يؤكّد لهم أن لا مجال للتراجع أو التراخي مع طبقة الفاسدين التي لم تقدّم بعد أربعين يوماً من التظاهرات الغاضبة أيّ حلّ مرض، ولم تخطُ أيّ خطوة باتّجاه تلقّف غضب الشارع والبدء في تطبيق أقلّ قدر من الإصلاحات لاستعطاف الناس وإنقاذ البلد.
هل تركت القوى الأمنية وأجهزة المخابرات وشرطة البلدية جميع الزعران والمسلّحين ومفتعلي المشاكل والمخرّبين على الأراضي اللبنانية، وصبّت كامل جهدها لتوقيف 5 مراهقين لم يبلغوا سنّ الـ18 بجرم تمزيق يافطة على باب مركز حزب.
هل فكّر من اتّخذ هكذا قرار مرّتين قبل إعطاء الأوامر، هل شاهد التلفزيون ولو لمرّة خلال الشهر الماضي أو قرأ جريدة أو سمع صوت الناس على الراديو أو السوشل ميديا... ما هو العضو الذي استعمله من اتّخذ هكذا قرار، لأنّه بالتأكيد لم يستعمل عقله ولا منطقه ولا حسّه الوطني، وبالتأكيد لم يستخدم أيّ قدر من أخلاقه إذا كان يمتلكها أصلاً.
مسلّحون معروفون بالوجه والاسم والعنوان يرهبون المتظاهرين في المتن والشمال والجنوب والبقاع وبيروت، ولم نسمع حتى هذه الساعة تحرّك أيّ جهاز أمني لتوقيف ولو واحد منهم، خصوصاً أنهم أكثر الأشخاص قدرة على زعزعة السلم الأهلي وافتعال المشاكل وتعكير مزاج الاستقرار الأمني... لكن لا، الأهمّ ألّا تتمزّق يافطة حزب.
أرتال من الموتسيكلات يمتطيها مئات المندسّين، تقتحم التظاهرات السلمية وتروّع النساء والأطفال والصبايا والشباب العزّل... مندسّون لا يخفون وجوههم ولا يتكتّمون على انتماءاتهم الحزبية والمناطقية، ويجاهرون بأجنداتهم ونواياهم... يحرقون ويكسّرون ويخرّبون ويروّعون، ومن ثمّ يعودون أدراجهم من حيث ظهروا، ولا يحرّك عنصر أمني عصاه أو جهازه أو سلاحه أو عضلاته لتوقيف أيّ واحد منهم وسوقه إلى المخفر للتحقيق... لكن لا، الأهم أن لا تتمزّق يافطة حزب.
يحاول الناس أحياناً تصديق أنّ هناك رجال دولة لا بدّ أن يتّخذوا قراراً، لا بدّ أن يفاجئوا الناس بخطوة تشكّل صدمة إيجابية... وكلّما حاول الناس، يكتشفون أنّ الذين يحكمونهم ليسوا أكثر من أولاد دولة، يلعبون بروزنامة حياة الوطن، وبصحّة شعبه وأمنه واستقراره واقتصاده ولقمة عيشه.
كلّما حاول الناس تصديق أنه لا بدّ أن يجدوا رجل دولة في مكان ما، في مركز قرار، أو خلف مكتب، أو في إدارة أو أمام جارور حرزان أو هاتف موصول بالمعنيين، كلّما اكتشفوا أن هناك زمرة أولاد لم تتعلّم بعد كلّ ما حدث ويحدث وسيحدث في الشارع أن تتخذّ قراراً واعياً وواعداً... زمرة أولاد تلعب بقرارت دولة، وزمرة أولاد تطبّل وتزمّر وتغنّي وتتقاتل من يجلس إلى النافذة في بوسطة بلا فرامل متّجهة إلى الهاوية.
ولكن من يعتب على أولاد، ومن يعتب على قراراتهم ومواقفهم، ومن يعتب على عقل أولاد... وإنما العتب عليهم إذا تشيطنوا وتراذلوا وقللوا أدب، فعندها يأتي وقت الحساب. والشارع مليء بالأمهات والآباء الذين يجيدون تربية الأولاد، ومليء بالصبايا والشباب والواعين على كيفية تأنيب الولد المشاغب... فلا تهتمّوا يا أولاد دولتنا المهضومين، أكملوا لعبكم وراهنوا على قراراتكم الولّادية التي تشحن الشارع بدل أن تريحه، وتهيّجه بدل أن ترهبه... أكملوا لعبكم في دولتنا التي علّمتنا أن نقبض على الولد ونحقّق معه مهما كان جرمه.
فالبلد تحكمه سلطة تخاف من ولد يمزّق صورة زعيم، ولا تخاف من فاسدين يشوّهون صورة بلد.