بعد دخول الانتفاضة شهرها الثاني وما رافقها من شبه صمت دولي حيال ما شهدته الساحة اللبنانية، تم تسجيل موقف أميركي يثير الكثير من الاسئلة، حيث تحدث المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية والسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان عن رغبة روسية بالتمدد نحو لبنان كساحة للصراع الاستراتيجي، مستطرداً بالقول: إذا لم نكن نحن هناك.
ويأتي هذا التصريح اللافت ليشرّع الأوضاع اللبنانية أمام كل احتمالات التدويل وتحويل ما يشهده لبنان من حراك شعبي مطلبي إلى فتيل صراع دولي واقليمي على أرضه وتحويله إلى ساحة صراع.
والانتفاضة بكل ما اكتسبته من خبرات حوارية وميدانية المفترض باهل الانتفاضة ان يبدأوا ببلوَرة تصوّر للاستراتيجية والتكتيك والأولويات المرحلية. فبعد ثلاثة أسابيع على استقالة حكومة رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ما زالت الحركة السياسية تتمحور حول موضوعي التكليف والتأليف الحكوميين وسط غربة السياسيين عما يدور في الشارع وعن تفاقم الأزمة الاقتصادية المعيشية.
وهنا لا بد من الوقوف عند ما ورد على لسان فيلتمان حين قال: على اللبنانيين اختيار المسار الذي يؤدي إما إلى الفقر الدائم أو الازدهار المحتمل، رابطاً هذا الأمر بتقويض دور حزب الله وطبعا بشكل الحكومة المقبلة. ليس هذا ما يطمح إليه الحراك طبعاً ولا هذه رغبة اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات والشوارع طلباً للحياة الكريمة ورفضاً للفساد الذي ينخر دولتهم، وليس دخول الدول على الخط سوى إعلان موت مطالب الناس لتتحول وقود ازمة تتخطى كل أحلامهم وطموحاتهم.
فهل بدأ فعلا تدويل الأزمة اللبنانية خاصة بعد المعلومات التي تتحدث عن عقوبات أميركية جديدة سيتم فرضها خلال أسابيع على شخصيات سياسية لبنانية وربما تطال الجسم المصرفي أيضاً؟
مرحلة دقيقة جداً يمر بها لبنان مجهولة الأفق والتحولات، خاصة في ظل الارباك الرسمي في التعامل مع انتفاضة 17 تشرين والتأخير في مسار تشكيل الحكومة العتيدة. وعليه، الانتفاضة ما زالت في حاجة إلى كتابة لائحة مطالب واضحة ومعقولة. هناك بصيص أمل في نهاية النفق المظلم في حال الاقتناع بحكومة تضمّ اختصاصيين يعالجون الوضع الاقتصادي مستعينين بأصدقاء لبنان في العالم. وبات على الانتفاضة تنظيم عملها لانها مسألة ضرورية. فهي من ناحية ستلجم فوضى الاجتهادات، حتى تلك التي لا تخلو من النية الحسنة. ومن ناحية ستسقط من يد السلطة ورقة التلاعب والدسّ والتطويق وزرع العملاء. على القيمين على الانتفاضة إدراك بضع حقائق عن أمراض لبنان المُزمنة، بجانب محنته الحالية، التي تبدأ ولا تنتهي وخصوصاً في ظل الخلل الحاصل على مستوى موازين القوى. وفي طليعة هذه الحقائق أن الطائفية المتجذِّرة لا تلغيها النيات الطيبة والكلمات المعسولة، بل المؤسسات التي لا بد من بنائها من أجل التمهيد للقضاء على الطائفية، ابتداءً من البيت والمدرسة أولا. قبل الوصول إلى مرافق الدولة. بالأمس، كثرة من اللبنانيين الذين كادوا يفقدون الأمل في بلدهم استعادوا ثقتهم فيه، بقدر عودتهم للاعتزاز بانتمائهم إليه. لقد كانت الرسالة مشرقة: لبنان الشعب هو وطن الاستقلال، بينما لبنان السلطة وطن محتل. خارج الزمان والمكان والحسابات .
فهل ستشكل التطورات الاخيرة وما رشح من مواقف دولية دفعاً وحافزاً للعودة إلى المسار الدستوري لانتظام الحياة السياسية والدعوة إلى استشارات نيابية ستكون كفيلة بتشكيل حكومة تلبي مطالب الناس وتنزع فتيل التدخلات الدولية؟
سؤال لا بد من الاجابة عليه سريعا قبل فوات الأوان.