الحالة الحرجة أو حافة الهاوية هي الوصف الأكثر قرباً للوضع الذي يعيشه رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، الذي أصبح بقاؤه في السلطة مفتاح بقاء سلطة النظام السياسي أو زوالها، وذلك للأسباب التالية:
أولاً – لو قدّم استقالته في الفترة ما بين الأول والخامس والعشرين من أكتوبرالماضي لسهل الأمر كثيراً من حيث حقن دماء الشباب المنتفضين وفتح الأبواب أمام عمليات التغيير السياسي الجذري. لكن إصراره على التشبث بالمنصب عقد المشهد كثيراً بغض النظر عن التبريرات المطروحة من قبله.
ثانياً – حاول كُثر ممن كانوا قريبين من طروحاته السياسية الدفاع عن مواقفه، لكنهم وجدوا أخيراً عدم جدوى النصح، حتى وصل الأمر إلى إعلان مدير تحرير سابق لصحيفة يملكها عبدالمهدي، هو عادل شبر أن “ما ارتكبه عبدالمهدي جريمة كبرى مع سبق الاصرار والترصد”.
وكان شبر قبل ذلك قد قال إن “الورقة الأخيرة أمام السيد عبدالمهدي هي تقديم استقالته وتقديم شرح صادق للشعب عن ابتزاز القوى السياسية، التي تدعي الاصلاح وهي براء منه. فهذه هي الورقة الأخيرة له، فاستمراره في الحكم ورقة رابحة لهذه القوى السياسية المنافقة وورقة خاسرة له وللعراق ولتاريخ السيد عبدالمهدي”.
ثالثاً – يواصل عبدالمهدي الإصرار على الدفاع عن النظام السياسي بكل ما حمله من خطايا وجرائم بحق شعب العراق، حتى في ظل حمام الدم الحالي. وحاول تصوير جرائم قتل الشباب بأنها تقع في دائرة الصراع ما بين “الدولة واللادولة” لكنه يناقض نفسه حين يجد نفسه أمام مسؤولين أوروبيين يتحدثون بلغة حقوق الانسان، التي هدرت تحت مسؤوليته المباشرة.
رابعأ – لم يواجه عبدالمهدي العصب الأساسي للأزمة الحالية وهو جسامة التدخل الايراني السافر واندفاع وكلاء طهران في استخدام السلاح وقتل شباب الانتفاضة لأنهم رفعوا شعارا استراتيجياً وهو طرد إيران من العراق. وهو يحاول تشتيت الأنظار عبر ما يسمى بقوى المقاومة، التي تطالب بإدانة التدخل الأميركي في الأزمة الحالية والصمت عن التدخل الإيراني السافر.
خامساً – لم تعد أمام رئيس الحكومة فرصة تمييز نفسه عن النظام السياسي القائم ولن تسعفه العموميات التي يتحدث بها مبتعداً عن تحديد المسؤولين عن قتل نحو 400 شاب عراقي، غير مبال بتداعيات الوضع في العراق، مؤكدا قناعة المحتجين بأن مصدر قوته هي إيران بعد الإصرار على بقائه في منصبه من قبل الجنرال قاسم سليماني إثر اجتماعه بمقتدى الصدر وابن المرجع الشيعي السيستاني.
هذه الأسباب تجعل عبدالمهدي يعيش حالة “اللحظة الحرجة” التي دائماً ما تسبق انهيار النظم المتسببة بقتل المواطنين وسرقة ثرواتهم وتجويعهم وعزلهم عن العالم. ويبدو أن حجم تضحيات شباب الانتفاضة قد حرك المجتمع الدولي أخيراً، رغم عدم ثقة الثوار بتلك التحركات.
وبدأت تزداد التنبيهات الدولية المباشرة للنظام السياسي ورئيس الحكومة، منذ طالبه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عبر مكالمة هاتفية بحماية المحتجين والاستجابة لمطالبهم المشروعة وأدان ارتفاع عدد القتلى من المتظاهرين نتيجة قمع الحكومة واستخدام القوة المميتة.
كما دعاه سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق مارتن هوت بعد اجتماعه بسفراء الدول الأوربية إلى إنهاء العنف والقمع والتخويف، إضافة إلى محاولة ممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، التكفير عن ذنبها حين طعنت بمشروعية الانتفاضة عبر تغريدتها على تويتر. واعترفت فيها بأن ما شهدته الشوارع في الأيام القليلة الماضية هو تراكم الإحباطات من عدم تحقيق التقدم في الأعوام الستة عشر الماضية. وقالت بلاسخارت إن الرغبة في هوية عراقية أمر واضح وأن الشباب في الشوارع يعبرون عن أملهم في مستقبل أفضل من منطلق حبهم لوطنهم.
كما طالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان حكومة عبدالمهدي بالتوقف عن استخدام العنف والتعذيب وتقديم مرتكبيه للعدالة، والكشف عن حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفيّة وإطلاق سراح المعتقلين فوراً.
كل الأدلة تدين عبدالمهدي باعتباره المسؤول الأول عن جمهورية الاختطاف والقنص. ويبدو أن الوقت متأخر جداً لمحاولة تصحيح برنامجه السياسي أمام الشعب. فالانتفاضة الباسلة، بعد أكثر من خمسين يوماً، غيرت جميع قواعد اللعبة السياسية وأكدت أن مؤسسات هذا النظام غير قادرة على إحداث تحولات جذرية في بنية النظام.
ورغم اختلاف الآراء بشأن دور المرجعية في العملية السياسية، إلا أنها عبّرت بوضوح شديد عن دعم موقف المتظاهرين السلميين في مواجهة مساعي الحكومة لإنهاء الاحتجاجات باستخدام ألاعيب سياسية جديدة. وبذلك زادت الضغط على الحكومة وأحزابها للتسليم لإرادة الشعب الذي تمثله النخبة الصانعة لمستقبل العراق، ووضعت النظام السياسي في زاوية حرجة لا فكاك منها.