على خلاف ما يظنّه كثيرون، لا أحد يريد رئاسة الحكومة في لبنان، ربما تكون المرّة الأولى في تاريخ بلاد الأرز، حيث هناك منصب، أيّ منصب، لا أحد يريد تولّيه، ولا أحزاب تتنازعه. فكيف إذا كان المنصب الأكثر أهمية على مستوى السلطة التنفيذية؟
ربما لم يحدث أن بقي منصب شاغر في لبنان، بسبب العزوف عن الترشّح لشغله، وبسبب العفاف السياسي عنه.
كانت القاعدة دائمًا في لبنان أنّ المراكز تشغر بسبب التناتش عليها، وبسبب عدم التوافق السياسي والطائفي والمذهبي على اسم محدّد، ما يعطّل المؤسسات. أي أنّ كثرة المرشّحين كانت تجعل من الصعب التوافق على اسم واحد. هكذا حصل مع رئاسة الجمهورية، في كلّ مرّة، منذ انتهاء الحرب الأهلية. وهكذا كان يحصل في كلّ الخلافات حول التعيينات، قضائية كانت أو إدارية أو عسكرية.
اليوم، بات هذا المنصب أقرب إلى كرة النار التي تتقاذفها أطراف السلطة.
لنبدأ برئيس الحكومة سعد الحريري، هو أعلن مراراً، عبر مصادره وعلى لسانه، أنّه يوافق على تسمية غيره. وسمّى كثيرين، بينهم إداريون في مؤسسات الدولة ومتقاعدون، ومن بينهم رئيس الحكومة سابقاً، تمام سلام، والأخير رفض، وقال في حديث صحفي إنّ "السنوات الثلاث التي مرت من العهد، حتى الآن، لم تشجّعه بتاتاً على العودة الى رئاسة الحكومة مجدداً". قال هذا في سياق الإصرار على عدم تحمّل هذه المسؤولية إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون.
أيضاً خرج رئيس الحكومة سابقاً، نجيب ميقاتي، في حديث صحفي، ليقول إنّ "المرحلة صعبة، ولا يمكن سوى إعطائها (رئاسة الحكومة) للشخص الذي قام بالتسوية الرئاسية وتبوّأ منصب رئاسة الحكومة مدّة ثلاث سنوات"، قاصداً بالطبع الرئيس الحريري.
وبات معروفاً أنّ النائب والوزير السابق محمد الصفدي طلب سحب اسمه من التداول، بعد اعتراضات شعبية على تكليفه، بسبب شبهات فساد اتهمه بها إعلاميون وناشطون.
ولا يخفى على أحد في لبنان أنّ حزب الله لا يريد تسمية شخصية سنية من حلفائه، رغم أنّه يملك أكثرية 74 نائباً، من أصل 128، أي أكثر من النصف زائداً واحداً، لكنّه يحاذر من تسمية سنّي لا يوافق عليه القادة السنّة، ويفضّل شخصية توافقية بينه وبين الحريري ورئيس الجمهورية وبقية الأطراف.
كذلك فإنّ الرئيس عون، حين اقترح وزير خارجيته وصهره جبران باسيل، اسم الصفدي، اشترط موافقة الحريري، ثم في تبادل البيانات بين الحريري وباسيل، راح كلّ طرف يتّهم الآخر بأنّه لم يكن جديّاً في دعم الصفدي.
لا أحد يريد رئاسة الحكومة في لبنان.
فالمصارف بعضها يشارف على إعلان إفلاسه. والوضع المالي تشارف معه الليرة اللبنانية على الانهيار. إذ بات لها سعران: سعر صرف رسمي مقابل الدولار هو 1507 ليرات، وسعر في السوق السوداء يتراوح بين 1750 و1900 أحياناً.
كذلك فإنّ الاقتصاد انكمش إلى الحدود القصوى مع تزايد القيود المصرفية على التحويلات والسحوبات داخل لبنان وإلى خارجه، وبعد إقفال المصارف المتقطّع خلال الشهر الفائت، ومع العقوبات الأمريكية الشديدة على حزب الله، التي طالت المصارف نسبياً.
لا أحد يريد أن يكون رئيس حكومة الانهيار المالي، ولا أحد يريد أن يكون الرئيس الذي سيتذكر اللبنانيون أنّهم في عهده خسروا مدّخراتهم أو جاعوا أو فقدوا وظائفهم.
ولعلّ هذا ما يؤخّر الاستشارات النيابية التي كان يفترض أن يجريها رئيس الجمهورية قبل 10 أيام، لاختيار شخصية تتحمّل مسؤولية التكليف وتشكيل الحكومة. وهذا ما سيجعل أيّ رئيس مكلّف يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يقدم تشكيلته، وهو ما قد يترك البلاد بلا حكومة لزمنٍ قد يطول.
لبنان الذي يخسر مواطنوه وظائفهم بشكل متزايد، فيه وظيفة واحدة لا تجد من يشغلها: رئاسة الحكومة.