علينا أن نفكر بالقوى المتضررة من سقوط النظام الإيراني بطريقة غير منحازة وبعيون مفتوحة على الحقائق، التي لا بد أن يكون بعضها جارحا وصادما وغير متوقع.
ربما يفكر البعض في أن الميليشيات من نوع حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين هي الأكثر تضررا بسبب انغلاق الأفق أمامها، غير أن ذلك جزء من الحقيقة وليس كلها.
تلك الميليشيات ستدافع عن وجودها بطريقة مبتذلة، قد تكلف المجتمعات ثمنا ثقيلا، غير أنها ستُهزم في النهاية. ذلك لن يكون حدثا عظيما بالمقارنة مع ما ستشعر به أوروبا من أسف بسبب غياب النظام الإيراني.
ذلك أمر صادم قد يظنه الكثيرون شيئا من الخيال، ولكنه مع الأسف ينتمي إلى عالم الواقع. وهو ما صار النظام الإيراني على دراية مؤكدة به بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وإذا ما كان النظام الإيراني قد أظهر نوعا من عدم الثقة بأوروبا ومساعيها من أجل إنقاذه من العقوبات الأميركية بحجة الحفاظ على الاتفاق النووي من الانهيار الكامل، فلأنه كان يثق بأن أوروبا لن تتخلى عنه بغض النظر عن سياساته العدوانية في المنطقة واختراقه لحقوق الإنسان في إيران.
حرصُ أوروبا على بقاء النظام الإيراني قويا، جسدته بشكل كامل ومعلن سياسة فرنسا التي كانت ولا تزال حريصة على استمرار خلافها مع الولايات المتحدة في شأن الملف الإيراني.
بقاء النظام الإيراني من غير إحداث أي تغيير في سياساته هو ضرورة أوروبية بعكس ما جرى بالنسبة للعراق، حين ساهمت أوروبا مرتين في تدميره وفي المرة الثانية كان لها دور بارز في إلغاء الدولة فيه.
إيران بالنسبة للمجتمع الدولي غير العراق. هذا صحيح. ولكن الصحيح أيضا هو أن إيران بالنظام الديني الذي يحكمها ضرورية بالنسبة للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص.
لن يكون ذلك الاستنتاج صادما إذا ما رجعنا إلى الفائدة التي يجنيها الغرب كله من الشعور المتنامي في المنطقة بالخطر القادم من إيران بسبب سياسات نظامها التوسعي القائم على مبدأ العداء الصريح والخفي بكل مستوياته للدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج.
لقد جنت الولايات المتحدة وأوروبا أرباحا هائلة، ما كان في إمكانهما الحصول عليها في زمن قياسي، لولا رعونة وحماقة وغباء وجنون النظام الإيراني، الذي حرص على أن يتعامل مع العرب بازدواجية وجهيه الملتبسين، القومي والطائفي. وكانت لغته في ذلك التعامل هي نتاج المزج بين الوجهين. في حين اتسمت لغته في التعامل مع العالم بقدر لافت من المرونة.
لقد صرحت الولايات المتحدة من خلال رئيسها شخصيا بأن القصد من العقوبات على إيران لن يكون إسقاط النظام الحاكم فيها. وهو ما لم يكن موجودا حين تمت مقاطعة العراق اقتصاديا وفرض الحصار عليه وتجويع شعبه حيث انتهى الأمر بإسقاط نظامه السياسي وتحطيم دولته بعد احتلاله.
تشكل تلك التصريحات التزاما بالنسبة للولايات المتحدة.
ذلك ما بث دماء جديدة في جثة نظام نشر لغة الموت بنوعيه الرمزي والواقعي في المنطقة. وهو ما لن يعيره الغرب والولايات المتحدة أدنى اهتمام يُذكر في مواجهة صمت عربي سيظل محل استفهام دائم. ذلك لأن المنفعة الاقتصادية التي يجنيها الغرب من علاقته بالعرب هي أكبر بكثير من منفعة يحصل عليها وهو يمارس دور شاهد الزور في علاقته بإيران.
لا أعتقد أن استعداء الغرب سيكون نافعا للعرب في أية مرحلة.
ولكن الديمقراطية التي يؤمن بها الغرب بشكل حقيقي تسمح بهامش من المساءلة، يمكن اللجوء إليها بطريقة عقلانية من غير أن تتأثر علاقات الدول، بعضها بالبعض الآخر.
فليس صحيحا على المستوى الإنساني والحقوقي والأخلاقي أن يقوم الغرب بدعم نظام استبدادي قمعي متخلف على حساب قيمه القائمة على مبدأ العدالة الاجتماعية. وهو ما يشكل خرقا فاضحا لمبادئ الديمقراطية.
ما هو مطلوب على مستوى إنساني أن يُدعم الشعب الإيراني في انتفاضته الهادفة إلى رحيل النظام الديني الذي بات وجوده يشكل خطرا على القيم الإنسانية قبل الحديث عن تهديده للسلم والاستقرار العالميين.