يرى العديد من الاقتصاديين أنّ الليرة اللبنانية ليست في ورطة انما احتياطات الدولار في البلاد والأموال اللازمة للواردات هي المشكلة. هذا الوضع الذي نعيشه مريب للغاية، ولم تكن كلمات حاكم مصرف لبنان لتوضح أموراً لا نعرفها، انما زادت عدم اليقين في غياب الثقة. يبدو أننا نعيش اليوم ما شهدته اليونان منذ بضع سنوات، من إغلاق للمصارف، ومع القيود والضوابط المفروضة على سحب الأموال والتعاطي مع التحويلات الى الخارج. وفي ظل كل ذلك قد يقع ما حذّر منه الصناعيون من إقفال، ولا سيما أنّ المواد الأولية بدأت تنفد، وفي غياب شبه كامل للدولة. علماً أنّ اقتصادنا يعتمد اعتماداً كبيراً على التحويلات الخارجية للبقاء.
إنّ خطة الاصلاح التي وعد بها رئيس مجلس الوزراء المستقيل، تبدو غير قابلة للحياة، ولا سيما أننا في حاجة لاصلاحات جذرية وهيكلية، من دونها نحن نتجّه الى انهيار كامل. وزاد الأمور تعقيداً النمو الاقتصادي الراكد وتباطؤ تحويلات المغتربين اللبنانيين، والتي ساهمت منذ زمن طويل في تغذية الودائع في المصارف. كل هذا مع احتجاجات طالت جميع الفئات العمرية والطوائف والمدن، الأمر الذي يدعو الى اعلان حال طوارئ اقتصادية، بدأت المصارف بها من خلال فرض ضوابط على رؤوس الأموال وفرض قيود على سحب الدولارات والتحويلات الى الخارج، الأمر الذي زاد عامل عدم الثقة من قبل المدخرين. ولمتابعي الأمور، فإنّ المصارف بدأت تعاني منذ فترة لا بأس بها من ركود في العمليات وغياب التسليفات وتراجع ضخ اللبنانيين في الخارج للأموال، الأمر الذي ساهم الى حدٍ بعيد في الركود الاقتصادي والبطالة، أضف الى كوننا ثالث أكبر دولة مديونة في العالم ونحتل مركزاً متقدّماً في مؤشر الفساد. وزاد الأمور سوءاً، تراجع التصنيف للبنان من قِبل مؤسسات التصنيف العالمية، كذلك تراجع تصنيف مصارف تُعتبر من أكبر المصارف اللبنانية بما يعني في ما يعنيه أنّه وفي حال تمّ الغاء القيود على الرساميل سيلجأ المدخّرون الى سحب أموالهم من هذه المصارف مما يعني Bank run، حيث لن تستطيع هذه المصارف تلبية حاجات المدخرين، وقد يترتب عن ذلك عملية دومينو تتهاوى معها مصارف تُعتبر من الأنجح في لبنان. وأي تعثر لن تستطيع الدولة ومن خلالها البنك المركزي في مساعدتها، لأنها لا تملك الموارد اللازمة لذلك.
من هنا نرى، أنّ إقفال المصارف طوال هذه المدة له مبرراته، وقد يكون أهمها الخوف من هجوم المدخرين لسحب أموالهم مع انعدام الثقة بالمصرف والنظام المالي والمصرف المركزي، وكلها أمور تساعد في الانهيار الكامل. و لن يكون لتدخّل البنك المركزي أي مفعول في هكذا حالة ولا سيما أنّ الاحتياطي عنده غير كافٍ للجم العملة ومواجهة انهيار المصارف في الوقت نفسه. كذلك في غياب أي عملية انقاذية تقوم بها الدولة وعلى وجه السرعة من أجل الأفراج عن أموال «سيدر» التي قد تساعد وبشكل كبير في الخروج من الأزمة المالية التي نحن فيها، وهي متوقفة الآن على شروط تحقيق الاستقرار السياسي وتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ الاصلاحات الهيكلية التي سوف تدعم الثقة في الداخل والخارج.
لكن الدولة غارقة في متاهات التأليف، والتي على ما يبدو لن تكون في المدى القريب. الأمر الذي يعني مزيداً من التراجع في العملية الاقتصادية والانهيار الكامل على شاكلة اليونان. واذا ما سلّمنا جدلاً بأنّها نظرية المؤامرة على لبنان، يمكن القول إنّ ما عجزت عنه المدافع سوف تحققه المصارف»Not with tanks but with banks».
لذلك، قد يكون من الأكيد أنّ القيود على حركة الرساميل سوف تستمر، وتراجع التصنيف زاد الأمور سوءاً، والناس خائفون من أن تذهب مدخراتهم في مهبّ الريح. هذا هو الوضع الحالي، والمصارف تلعب دوراً كبيراً في هذه العملية، وقد حققت أرباحاً هائلة وتحاول الآن النفاذ من هذه العملية بأقل ضرر ممكن، وليس لديها في الوقت الحاضر سوى ربح الوقت وتأخير الانهيار المحتوم.
كلها أمور تتشابك مع بعضها البعض. كما أنّ فقدان الثقة عامل أساسي في حياة المصارف وكذلك ديمومتها. والعملية السياسية ضرورية للحد من التدهور الحاصل في النظام المالي والمصرفي وإعادة الثقة من قِبل اللبنانيين في الخارج والداخل.
هكذا تبقى الخيارات ضعيفة في ظل تضاؤل الثقة في الحكام والمصارف، وتبقى آفاق الحلول ضيّقة، والخوف الأكبر من انهيار النظام المصرفي بالكامل، ما يعني انهيار ركيزة الاستقرار وأكبر ممول للدولة اللبنانية.
بانتظار حكومة تكنوقراط أو تكنو سياسية والإفراج عن أموال «سيدر» تبدو الأمور سيئة للغاية وبلا حلول. والأمر الأكيد إنّ الطبقة السياسية من التسعينيات ولغاية اليوم ساهمت، والى حدٍ بعيد، في ما وصلنا اليه بلا محاسبة، وبوجود قضاء غافل عن كل ما جرى ويجري. لذلك يبقى القول، إنّ خياراتنا ليست كثيرة.