تقوم الثورات، خصوصاً الديني منها، على قاعدتين: المظلومية والمعصومية، خصمها ظالم دائماً، وهي لا يمكن أن تخطئ. لذلك، عندما تتعرض صورة الثورة للاهتزاز، تذهب إلى أقصى حالات القمع والعنف. فالخصم هنا لا يتعرض لأناس من شعبه وجلدته، وإنما إلى متفوقين تميزهم هالة «إلهية»، ويعصمهم تكليف إلهي في مصائر الناس والأمم. وإلَّا كيف يمكن للثورة أن تصدّر نموذجها إلى الخارج، إذا كان هشاً وسريع العطب.
حتى الآن كانت إيران تتفرج على شكاوى الغير. مظاهرات في لبنان، وقتلى في العراق، وجماهير في الجزائر. فجأة، رأت الانتفاضة عندها. وعلى الطريقة، أو النسخة اللبنانية والعراقية، أي ليس في العاصمة وحدها، بل في جميع أنحاء البلاد. ومثلما حدث في البلدين تماماً، كانت السلطة هي التي أشعلت فتيل الاحتجاج، عندما حاولت أن تجرب طاقة الناس على المزيد من الاحتمال.
طُعن النظام الإيراني في مركز كبريائه: النفط. إنه ليس قادراً على تصديره فحسب، بل عاجز عن توفيره لمواطنيه. وبهذا المعنى وقف المحتجّون إلى جانب «الشيطان الأكبر» في حرب العقوبات وعض الأصابع.
من يمكنه الاعتراض على مضاعفة أسعار الوقود وسط الحالة الاقتصادية المزرية؟ طبعاً، الأميركيون والصهاينة. تخيل حكومة دولة تتطلع إلى مئات الآلاف من شعبها، يرفعون الشكوى ضد البطالة والفقر والركود، فلا تجد ما تقوله لهم سوى أنهم أميركيون وصهاينة.
ليس الفاسد والسارق والمجوِّع والشره الذي لا يشبع هو المسؤول، بل الذي خرج من منزله في المدن والقرى يرفض هذا البؤس الوطني من أجل سياسة عديمة تبني البوارج والصواريخ والسلاح النووي وكل ما هو غير صالح للاستعمال، وتتخلف في كل ما هو حاجة وطنية ماسة.
تفتح الثورة الإيرانية النار على شبابها في سائر أنحاء البلاد يتحدون القمع بوجوه واضحة أمام كاميرات التلفزيون وصدور عارية. وهذا أيضاً قاسم مشترك آخر مع المحتجين في لبنان والعراق حيث لا يهتم الشباب لكاميرات الشرطة. للرغيف لون واحد وللجوع طعم واحد، وللكلام صلاحية ينتهي زمنها في كل مكان.
إذ تشكو إيران من التحريض على النظام، تنسى أنها أكبر قوة تحريضية عرفها العالم في ثلث القرن الأخير منذ نهاية الحرب الباردة. من أميركا اللاتينية إلى آسيا مروراً بأوروبا. وما يحدث في مدنها اليوم شيء بسيط جداً مما أصاب مدن الآخرين بسبب صادراتها، على أنواعها.