ويرى ميلغرام أن حقبة التنوير شجعت الناس على التفكير بشكل مستقل عن السلطة الدينية، لكن في الوقت الراهن هناك تشجيع على الامتثال لسلطة جديدة بديلة (سلطة المتخصصين)، ويحتاج غير المتخصصين إلى الإذعان للسلطة الجديدة لأنهم غير قادرين على فهم أسباب وتبريرات المتخصيين.
ونظرا لأن هذه المشكلات غير معترف بها ولأننا لا نملك حلولا لها فنحن على وشك عصر يتم فيه اتخاذ القرارات التي تعتمد على فهم أكثر من تخصص في وقت واحد بشكل غير صحيح، ولأن العديد من القرارات تتطلب معرفة متعددة التخصصات فإن هذه المشكلات الفلسفية ملحة.
ثقة عمياء
وبينما قطعنا شوطا طويلا بالفعل في الاعتماد على التخصص والخبراء فإن ملاحظة ميلغرام حول "التفكير الذاتي" توضح لنا أبعادا قد لا نكون واعين بها.
يقول ميلغرام إننا نختار الخبراء الذين يمكننا الاعتماد عليهم ونبني الثقة بآرائهم عبر استطلاع آراء من يعرفهم، إذ لا يمكننا تقييم بياناتهم بأنفسنا لفقداننا الخبرة الكافية لذلك، وبالتالي فإننا نعتمد على مؤشرات أخرى تؤكد لنا أن شخصا ما يستحق ثقتنا، بحسب باحث الدكتوراه في الفلسفة بالجامعة المركزية الأوروبية مارتن فان دورن.
إذًا، ما المعيار الذي نستخدمه للوثوق بخبير أو متخصص بعينه؟
نحن نعتبر شخصا ما موثوقا به، ليس لأننا نفهم ما يقوله ونعتقد أنه يتطابق مع الحقائق، ولكن لأن "أشخاصا مثلنا" يدعمون أشخاصا مثله، مثلا يشترك السياسي الذي صوّت لصالحه معك في بعض الأفكار والخيارات، وعليه تفترض أنت أنه الأنسب لك لأنه سيتخذ آراء مشابهة في القضايا المختلفة حتى تلك التي قد لا تعلم عنها شيئا.
نحن ببساطة لا نستثمر ما يكفي من الوقت اللازم للتفكير بأنفسنا في معظم الموضوعات، وتعتمد معظم أفكارنا وتوجهاتنا على علاقاتنا بأشخاص آخرين، وفي عصر فرط التخصص نمنح مصداقية أكبر لمتخصصين بسبب الاشتراك معهم في توجهات فكرية وسياسية معينة.
وهذا هو السبب في أن التعبير عن الآراء يسمح بتقييم الشخصيات، أي إنها لا تبين ما هو رأيك، ولكن تظهر لك أي نوع من الناس تثق بهم، بحسب مقال فان دورن المنشور في موقع ميديام.
وفي عصر أصبح فيه التفكير لنفسك أكثر صعوبة من أي وقت مضى يتحول السؤال "ما رأيك؟" إلى "ما هو توجهك وانتماؤك؟"، أو "ما هي خلفيتك؟" أكثر من أي وقت مضى.