وألقى خامنئي باللوم على “مثيري الشغب” و“قطاع الطرق” لتدميرهم الممتلكات العامة وقال إنّ “كل مراكز الاستكبار العالمي ضدنا تهلل” للاضطرابات.
وأضاف أنه منذ يومين، تبدي بعض الكيانات المعارضة للسلطة “سرورها” بالاضطرابات. وتحدث عن خصوم النظام الإيراني في الخارج بما أسماه “مراكز الاستكبار العالمي”، مشيرا بذلك إلى عائلة بهلوي التي طردتها الثورة الإسلامية من السلطة عام 1979، وحركة “مجاهدي خلق” المعارضة في المنفى.
ولا يرى مراقبون سياسيون أن ثمة مفاجأة في أن يستحضر خامنئي اتهامات للمنتفضين في المدن الإيرانية بالتواطؤ مع “أعداء الثورة” أو الرضوخ لهم، كما لم يكن مباغتا أن تلوح أجهزة النظام الإيراني بالشدة في التعامل مع من وصفتهم بـ”عصابات”، لتنتقل إلى الحديث عن مواجهات مع مسلحين.
وبعد أن اتضح تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، خشي خامنئي من ارتدادات انتفاضتي العراق ولبنان، وهما ركنان مما سمي الهلال الشيعي، الأمر الذي دفعه إلى التلويح بعصا المواجهة، معلنا أنه يؤيد رفع أسعار البنزين وهو ما ساعد على إطلاق شرارة الاحتجاجات.
وتسلط الشعارات التي رفعها المحتجون في العراق وإيران الضوء على الورطة التي تواجهها الجمهورية الإٍسلامية، إذ يرفض الشعبان تدخلاتها في شؤون دول أخرى. ويريد العراقيون أن تكف إيران عن التدخل في شؤون بلادهم وحماية ساسة فاسدين ورعاية أحزاب طائفية، ويحملونها مسؤولية الفشل الذي يصيب الدولة منذ 16 عاما، فيما يريد الإيرانيون أن يكف نظامهم السياسي عن إنفاق أموال الدولة على مشاريع سياسية في الخارج، وصلت حد اللعب في شؤون دول أفريقية، بحجة حماية الأمن القومي.
وبدا أن شعار “إيران برا برا” الذي ردده المتظاهرون في بغداد وكربلاء والبصرة، وجد صداه سريعا في طهران، عندما ردد محتجوها “لا غزة ولا لبنان.. أنا حياتي في إيران”.
وفعلت العقوبات الأميركية على إيران فعلها كما توقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وازداد التضخم وانهارت قيمة الريال الإيراني وتفشت البطالة، فيما التهم الفساد مفاصل كبيرة في الدولة بحماية أجنحة السلطة.
واللافت أن خامنئي الذي أحرقت صوره وهتف الشبان بموته، منددين مجددا بـ”الدكتاتور”، رد له هؤلاء التحدي بمثله، من خلال الإصرار على الإضراب في طهران بعدما أغلقت بعض شوارعها السبت.
ومع الإعلان عن مقتل شرطي واتهام مسلحين، اعتبر مراقبون سياسيون أن خامنئي الذي يشاهد إحراق مبان حكومية، يتجرع وللمرة الثانية خلال سنتين، كأس غضب الجيل الثاني بعد ثورة 1979، والنقمة على نظام دب الفساد في مفاصله بحماية حراسه.
وتمددت شرارات الغضب من المدن إلى البلدات والقرى، ما دفع السلطات إلى قطع خدمة الإنترنت، للتعتيم على حقائق ما يحدث على الأرض، واعتقالات بالجملة.
واتهم التلفزيون الرسمي “وسائل الإعلام المعادية” و”مثيري الشغب”، فيما كانت الحكومة تهدد بقبضة قوات الأمن “إذا استمرت الهجمات على الممتلكات العامة والخاصة”.
واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد أن الدولة “يجب ألا تسمح بانفلات الأمن”.
وأكد المدعي العام الأول محمد جعفر منتصري أن المتظاهرين الذين أغلقوا الطرق واشتبكوا مع قوات الأمن “لهم جذور خارج البلاد”، في تنويع على وتر التواطؤ مع الخارج، أو التحريض الأجنبي للغاضبين.
وقال منتصري “بالتأكيد، يتم توجيه مثيري الشغب، من الخارج، وأنشطتهم تعتبر غير مشروعة وإجرامية (…) ومن هنا فسوف نتخذ إجراءات مناسبة ضدهم”. وطالب المواطنين بأن ينأوا بأنفسهم عن مثيري الشغب هؤلاء حتى لا يتعرضوا للعقوبة.
وفي ظل قلق النظام الإيراني من استمرار الانتفاضة وتحدي الشبان كل رموزه، لإسقاط “قدسيته” التي اهتزت مع اهتزاز رموز ما كان يسمى محور الممانعة، لا يستبعد متابعون أن تشهد إيران مواجهات واسعة في الشارع، خصوصا أن معظم المتظاهرين هم شبان وفقراء يدفعون ثمن البطالة والفقر والغلاء.
وقال مراقب سياسي عربي متخصص في الشؤون الإيرانية “إذا كان ترامب نجح في رهانه على خنق الاقتصاد الإيراني تحت ضربات العقوبات، فالأكيد أيضا أن ما تشهده المنطقة يشبه الزلزال، من لبنان والعراق إلى إيران، يثير ذعرا لدى الحرس القديم في طهران، فيما المرشد يشاهد تهاوي المحور الحليف الذي أنفق عليه نظامه الكثير، ورعاه الحرس وقاسم سليماني”.
وعبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن دعم بلاده للمحتجين الإيرانيين في تغريدة كتب فيها “نحن معكم”.
ويرجح دبلوماسيون غربيون أن ترى واشنطن في الاحتجاجات الشعبية نجاحا لسياسة العقوبات القصوى التي تهدف إلى فرض مثل هذه الضغوط الاقتصادية الصارمة على طهران، مما يجعلها مضطرة إلى إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي تم إبرامه عام 2015.
واعتبر المحلل السياسي البريطاني كونراد دانكان أن هذه المظاهرات ستضيف المزيد من الضغوط على النظام الذي يعاني بالفعل تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية.
وتوقع دانكان في تقرير بصحيفة الإندبندنت البريطانية أن تتحول التظاهرات إلى خطر شديد على النظام الإيراني ككل إن استمرت لفترة طويلة، وعلى الرئيس حسن روحاني بشكل خاص، وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية المنتظرة في شهر فبراير المقبل لأنها توضح أثر انخفاض معدل الدخل وارتفاع معدلات البطالة وانهيار قيمة العملة المحلية الريال.
ويتفاقم القلق داخل مؤسسات السلطة في إيران من ارتفاع زخم التظاهرات، الأمر الذي دفع المتحدث باسم الشرطة أحمد نوريان إلى التحذير من أن قوات الأمن “لن تتردد في مواجهة الذين يزعزعون السلام والأمن وستحدد قادة هذه المجموعات وستحشد القوات وتواجههم”.
ودعا، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الطلابية، المواطنين إلى كشف “الانتهازيين والمرتزقة” ومساعدة الشرطة في الحفاظ على السلام. وقالت وزارة الاستخبارات في إيران إنها ستتخذ إجراءات قوية بحق المتظاهرين، الذين شاركوا في عمليات التخريب.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن الوزارة القول في بيان إنها “لن تدخر جهدا” في جهودها لضمان الأمن القومي للبلاد. وشوهد متظاهرون يغلقون طريقا في طهران بينما تجمع المتظاهرون في مكان آخر في العاصمة حول سيارة محترقة.
ووقعت حوادث مماثلة في مدينتي شيراز وأصفهان في وسط البلاد. وفرضت قيود شديدة على الإنترنت منذ اندلاع الاحتجاجات، حسبما أكد نتبلوكس، وهو موقع لمراقبة الإنترنت.
وقال الموقع إن “إيران الآن تغلق شبكة الإنترنت الوطنية بشكل شبه كامل وبيانات الوقت الفعلي للشبكة تظهر أن مستوى الاتصالات 7 بالمئة من المستويات العادية بعد 12 ساعة من انقطاع الشبكة التدريجي”.