كنتُ أرغب بأن لا أكتب عن اعتراض "بوسطة" الانتفاضة بالأمس في بوابة الجنوب صيدا، باعتبار أنّ هذا أمرٌ طارئ وعارض، ولا يستحق وقفة خاصة، سيّما لوفرة المصاعب التي ما زالت قائمة بوجه الانتفاضة-الثورة اللبنانية، والتي أتمّت شهرها الأول بالأمس، إلاّ أنّ تهافت حُجج المعترضين على عبور البوسطة إلى الجنوب، وحقارتها واسفافها من جهةٍ اخرى، فرضت عليّ اليوم أن أقف عند هذا التطور الذي انتقل فجأة من طارئٍ وعارض إلى حدثٍ له دلالاتٍ ومعانٍ سيبقى لها أثرٌ بارز في تاريخ الجنوب اللبناني وتاريخ أهله، بنضالاتهم وكفاحهم في سبيل الخروج من شرنقة الطوائف، وتحكُّم ثنائية حزبية سياسية بحاضره ومستقبله، وقد باتت جزءاً لا ينفصم عن طبقة سياسية فاسدة، أودت بلبنان إلى أزماته الخانقة التي يعانيها هذه الأيام.
اقرا ايضا : السيستاني مع انتفاضة العراق، وقبَلان ضد انتفاضة لبنان
لعلّ أول حجّة متهافتة وسخيفة ساقها المعترضون على عبور البوسطة إلى الجنوب، كانت دعم السفارة الأمريكية لها، هكذا قال أبطال الاعتراض، الامبريالية الأميركية بعظمتها وجبروتها، خطّطت وصمّمت ونفّذت تمويل رحلة بوسطة تكلفتها حوالي خمسمائة دولار أمريكي فقط لا غير، مبلغ بسيط يمكن أن يُنفقه ربُّ أسرة قرّر أن يدعو أفراد الأسرة لتناول الطعام في أقرب مطعم لمنزله، ممّا اضطرّ السفارة الأمريكية(بعظمتها دائماً) أن "تستهبل" وتصدر نفياً لارتكابها مثل هذا الجُرم، إلاّ أنّ الحجة الثانية (وهي أكثر سطحية وتفاهة وحقارة من الأولى)، جاءت من ضمن مسلسل "شيطنة" القوات اللبنانية الذي ابتدعهُ أعداء الثورة خلال الأيام القليلة الماضية، وهي حملة شيطانية فعلية، بدأت باتّهام القوات بتمويل الانتفاضة الشعبية بالمياه والسندويشات، ومن ثمّ مؤازرة الثورة بعناصر حزبية لوجستية في منطقتي جلّ الديب والزلقا، واختلاق افتراءاتٍ عدّة كطلب الهويات على الحواجز وفرض الخوات، والإصرار على قطع الطرقات والاشتباكات مع الجيش والقوى الأمنية، وآخر ما وُصمت به القوات اللبنانية بناء حائط نهر الكلب(المستنكر والذي تمت إزالته فوراً)، واليوم بوسطة الانتفاضة المتوجهة نحو الجنوب، ويقود هذه الحملة على القوات جمهور التيار الوطني الحر وجمهور حزب الله، أمّا خلاف القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر فهو تاريخي ومتعرج وطبيعي في إطار التنافس على النفوذ في الساحة المسيحية، الاّ أنّ المستغرب والنّافر جدّاً أن تتعالى في صفوف جمهور حزب الله شعارات وهُتافات معادية لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وهي هتافات تُذكّر بويلات الحرب الأهلية ومصائبها وفضائعها، وكان اللبنانيون يحلمون ويأملون بأنّها صفحةٌ سوداء طُويت إلى غير رجعة، وللذكرى والعبرة، كانت حركة أمل وحزب الله قد تحالفت مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في انتخابات العام ٢٠٠٥، يومها لم يكن سمير جعجع صهيونيّا كما يتذكر جمهور حزب الله وبعض فلول اليسار اليوم، لم يكن سمير جعجع صهيونيّاً يوم دعا الجنرال عون إلى معراب عام ٢٠١٦، لتنصيب مرشّح حزب الله الأوحد رئيساً للجمهورية، سمير جعجع ليس صهيونيّا عندما يجلس وزراؤه مع وزراء الحزب حول طاولة مجلس الوزراء، أمّا ما يمكن التّغاضي عنه فهو عمالة فايز كرم (الضابط المحكوم بتهمة العمالة الثابتة لإسرائيل)، كما يمكن التغاضي عن جريمة ميشال سماحة(تنزيهاً لتاريخه القومي والوطني )، ولم تثبت حتى الآن عند جمهور حزب الله عمالة وإجرام عامر الفاخوري.
خلاصة القول، حبذا لو تُغلق صفحات الحرب الأهلية التي لم يسلم من مجازرها وفضائعها أحد، ومن لم تتلوث يده بالدماء، غمس لسانه بها، فمن كان منكم بلا خطيئة( والثابت أن لا أحدَ بريئ) فليرمِ هذا أو ذاك بحجر، أو بكومة حجار.