أشارت «ستاندرد آند بورز» أنّ تصنيفات المصارف الثلاثة ستظل تحت مراقبة سلبية، أي انّها قد تتعرّض لمزيد من خفض التصنيف إذا لاحظت الوكالة ضغطًا إضافيًا على سيولة المصارف أو إذا فرضت المصارف المزيد من القيود على العمليات المصرفية والتحويلات المالية.
ورغم انّ خطوة «موديز» جاءت نتيجة خفضها تصنيف الدولة السيادي الى Caa2، وهو ما يتبعه عموماً خفض تصنيف المصارف أكبر حملة للسندات السيادية، إلّا انّ «ستاندرد آند بورز» رغم إبقائها في 1 تشرين الثاني على تصنيف لبنان السيادي عند B-، عمدت أمس وقبل المدّة التي حدّدتها في كانون الثاني المقبل لمراجعة التصنيف، الى خفض تصنيف 3 مصارف، عازية ذلك الى الضغوط المتزايدة على السيولة التي تعاني منها المصارف، ولا سيما بعد اغلاق الاخيرة لفترة طويلة.
وبما انّ وكالة «فيتش» كانت أول من أقدم على خفض تصنيف بنك عوده وبيبلوس إلى CCC-، وهو رابع أدنى تصنيف ممكن، تكون وكالات التصنيف الثلاث المعتمدة عالمياً لتحديد الوضع الائتماني للدول والمصارف، قد خفّضت تصنيف بنك عوده، أكبر مصرف في لبنان الى أدنى المستويات.
اما بالنسبة لـ«ستاندرد آند بورز»، فكانت قد أعلنت في تقرير لها في 1 تشرين الثاني الحالي، انّها قد تخفّض التصنيف السيادي للبنان في حال فشلت الحكومة في التخفيف من تنامي الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية بشكل يعيد ثقة المودعين، خصوصاً اذا ما اقترن ذلك بضعف في ربط الليرة اللبنانية بالدولار الاميركي، بما قد يهدّد قدرة الدولة على تلبية استحقاقاتها وحاجاتها التمويلية الخارجية.
لكن الوكالة، في تقريرها الصادر أمس الاول، شرحت انّ خفض تصنيف بنك عوده، بلوم، وميد بنك، جاء نتيجة الاثر الذي خلّفه تراجع ثقة العملاء على سيولة المصارف اللبنانية بعد إغلاقها لفترة طويلة.
كما شدّد رئيس قسم الأبحاث في بنك بلوم إنفست مروان ميخائيل على هذه النقطة. عازياً خفض التصنيف الى الضغط الحاصل على السيولة واقفال المصارف، مؤكّداً انّ خفض تصنيف الدولة السيادي من قبل «ستاندرد اند بورز» سيصدر قريباً تماشياً مع خفض تصنيف المصارف.
وقال لـ«الجمهورية»، ان «خفض تصنيف المصارف لن تكون له تداعيات اضافية. فقد سبق لمصرف لبنان ان طلب من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة للمحافظة على نسبة الملاءة المطلوبة».
وذكر انّ الاثر السلبي لخفض التصنيف المتتالي من قبل وكالات التصنيف الثلاث، سيتمثل بمزيد من تشديد شروط تعامل المصارف المراسلة مع المصارف اللبنانية، عبر خفض سقف خطوط الائتمان أو الغائها وغيرها من القيود المتشددة.
وفي التفاصيل، رأى تقرير «ستاندرد أند بورز» انّ المصارف اللبنانية تعاني من ضغوط متزايدة على السيولة، مشيراً الى أنّ تآكل الودائع الذي بدأ في النصف الأول من عام 2019 تكثّف أخيرًا بسبب التطورات السياسية الأخيرة، والاضطرابات الاجتماعية الممتدة، واقفال المصارف لفترة طويلة، بالاضافة الى فرض المصارف بشكل فردي بعض القيود على بعض العمليات المصرفية والتحويلات.
واعتبرت الوكالة، أنّ عدم تطابق الأصول المحتفظ بها للوفاء بالالتزامات المستقبلية مع وقت الاستحقاق في ميزانيات المصارف (maturity mismatch)، يحدّ من مرونتها في الاستجابة لخروج الودائع في الأوقات العصيبة. ولفتت الى انّ المصارف وضعت ودائع العملاء القصيرة الأجل لدى مصرف لبنان، بحيث شكّلت تلك الايداعات في البنك المركزي 57 في المئة من إجمالي أصول المصارف في 31 تموز 2019. وتشمل هذه الايداعات، ودائع وشهادات ايداع ذات آجال استحقاق متوسطة إلى طويلة الأجل.
وذكرت «ستاندرد اند بورز» انّه استجابة للضغوط المستمرة على الودائع، عرض مصرف لبنان تأمين السيولة للمصارف في شكل قروض قصيرة الأجل بالدولار بفائدة كبيرة تبلغ 20 في المئة. وتوقعت أن يواصل البنك المركزي تأمين السيولة للمصارف عند الحاجة، رغم انّ قدرته على القيام بذلك تبقى مقيّدة بسبب دوره الرئيسي في تمويل الحكومة اللبنانية. وبالتالي فانّ المصارف في هذه المرحلة، ستلجأ بشكل محدود الى طلب هذه السيولة.
كما رأت الوكالة، أنّ المصارف تواجه مخاطر أخرى أقل وضوحًا، ولكن ليس أقل أهمية، مثل المخاطر المادية على قواعد رأس المال والأرباح، معتبرة أنّ الرسملة عرضة لضعف الجدارة الائتمانية لحجم السندات السيادية الكبير الذي تحمله المصارف. بالاضافة الى ذلك، تراجعت توقعات نمو أرباح المصارف نتيجة زيادة أسعار الفائدة المدفوعة على الودائع وجهود المصارف لإطالة آجال استحقاق الودائع، إلى جانب المساهمات المحتملة لدعم الحكومة والتي تمّ الاعلان عنها كضريبة ستُفرض على المصارف لمرة واحدة فقط.
وفي ختام تقريرها، أشارت «ستاندرد اند بورز» الى انّها تعتزم مراجعة التصنيف خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، حيث يتضّح اكثر مسار خروج الودائع والقيود المصرّح عنها على العمليات المصرفية.
واكّدت انّها ستخفّض التصنيفات إذا تجاوز خروج الودائع حجم احتياطي السيولة لدى المصارف وحجم الدعم المقدّم من مصرف لبنان، مما يزيد من احتمال عدم قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها بطريقة كاملة وفي الوقت المناسب، ويؤدي إلى تخلّف انتقائي عن السداد (selective default).
في المقابل، قد تبقي الوكالة على التصنيفات الحالية إذا رأت تراجعاً في الضغوطات على السيولة ولم يعد هناك من مخاوف بشأن قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل وفي الوقت المناسب. وقد يتحقق ذلك إذا تمّ اعطاء دفعة قوية لثقة العملاء نتيجة التطورات السياسية الإيجابية أو الدعم الخارجي المحتمل للبنان.