عندما كتبت، عام 2016، عن تعيين رولا خلف نائبة رئيس تحرير «فايننشيال تايمز»، كنت واثقاً بأنه سيُكتب عنها ذات يوم بصفتها رئيسة لتحرير الصحيفة الأسطورية. لم يكن ذلك في باب التمنِّيات والاستحقاقات فقط؛ بل في باب الاستحالات أيضاً: أن تصبحَ سيدة شابة من لبنان على رأس أعرق صحيفة اقتصادية في العالم. ولمَ لا؟ الكفاءة التي تحتل المكان الثاني مؤهلة ذات يوم لاحتلال المرتبة النهائية.
في هذا النَّوع من المؤسسات، القائمة على عراقة بريطانية وحداثة يابانية ومصير أغنى صحف العالم، لا يمكنُ أن يسلّم المقعد للاستنساب أو للشفعة أو لدولاب الحظ. لأنَّ الساقط في التجربة قد يُسقِط معه ومع مزاجه ومع غروره المؤسسة برمَّتها. لا أشك لحظة في أن رولا خلف اختيرت لأنها الأكثر تواضعاً، لأنَّ ذلك يعني أنها الأكثر وعياً. اختيرت لأنها تلميذة فائقة وليس لأنها سوف تغير وجه الصحافة وتقلب تاريخ «فليت ستريت».
عندما يُلحق مغرور الضرر بمؤسسة عريقة، تمضي سنوات في إصلاح الأضرار المادية والمعنوية والمهنية. في بلاد «فليت ستريت»، لا تسلّم الصحافة للاعتباط الشخصي. المؤسف أن الصحافة العربية فقدت كثيراً من قوتها في معركة الوجود، ورأينا صحفاً كبرى عالمية تنهار، أو تقف على الحافة. وقد توصلت بعض الصحف إلى أن تصبح إمبراطوريات مثل «فايننشيال تايمز»، ومن ثم تراجعت على نحو مؤسف.
رئيس التحرير في المؤسسات الكبرى ليس فرداً... إنَّه فريق عظيم يدرك أن اسم الجريدة أهم ألف مرة من اسمه، خصوصاً إذا كان غراً مغروراً يعتقد أن هذه المهنة العظيمة تبدأ معه وتنتهي معه. هذه اللبنانية المتواضعة مثل بنفسجة سوف تعرف كيف تحافظ على مؤسسة ولدت عام 1888، عندما كان الأتراك لا يزالون يحرِّمون المطابع في العالم العربي.
تأتي رولا خلف من عائلة تعوَّدتْ التواضع والنجاح. سألت والدها قبل أشهر عن أحوال ابنه في حقل التأمين، فقالَ إنه انتقل من فرصوفيا مديراً عاماً في نيويورك. وفرحت بكل قلبي وقلت له بكل قرويتي: «لا شك في أن راتبه يفوق نصف مليون دولار». وبكل دماثة قال عباس خلف: «الأرجح، على ما سمعت، أن راتب هذا المنصب يفوق 15 مليوناً».
في هذا القتوم المُخيِّم فوق لبنان، كانت رولا خلف النبأ الطيب الوحيد الآتي من بيروت.