عندما ظهر دونالد ترامب في إحدى حلقات برنامج سمبسون الكارتوني الأميركي الشهير، بوصفه رئيسا سوف يقود البلاد نحو الإفلاس، كان الأمر مجرد نكتة.
منتجو “سمبسون” لم يقولوا أبدا إنهم كانوا يمارسون نوعا من التنبؤ بأنه سوف يصبح رئيسا بالفعل بعد عدة سنوات. بل كانوا يحاولون المزاح بشأن أفضل شخصية كارتونية يمكنها أن تقود أميركا إلى الإفلاس. أما الإفلاس نفسه، فإنه لم يكن بحاجة إلى من يتنبأ به، لأنه قادم.
أحدث البيانات أظهر أن عجز الدولة الفيدرالية للسنة المالية 2019 التي انتهت في سبتمبر يبلغ 984 مليار دولار، أي 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. بينما كان العجز في العام الماضي قد بلغ 898 مليار دولار.
الآن، تستطيع أن تعرف لماذا يريد الرئيس ترامب معدل فوائد منخفضا، وينتقد رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي لأنه لا يفعل ذلك. بل إن ترامب يريد معدل فوائد سلبيا أيضا. ويرى أن ذلك هو السبيل الوحيد لخفض معدلات الدين العام.
الاستمرار في حيازة السندات، هو بطبيعة الحال، شرط سياسي. إذ سيظل مطلوبا ممن يملكون هذه السندات أن يحتفظوا بها، تحت وطأة التهديد بانخفاض قيمتها
إلى الصفر
لا توجد قنبلة تهدد الاقتصاد الأميركي، على أي حال، أكبر من معدلات الدين تلك. إذ بلغ 23 تريليون دولار. وخفض الفائدة إلى الصفر إنما يعني التوقف عن خدمة هذا الدين. ولكنه يعني أيضا انخفاض الطلب على سندات الخزانة التي تُبقي الدولار واقفا على قدميه.
الاقتراض الخارجي بالدولار، سند آخر. ووفقا لبنك التسويات الدولية، فقد وصل الاقتراض الخارجي بالدولار في العام الماضي أكثر من 14 بالمئة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي البالغ 85 تريليون دولار. ولكن منافع هذا الاقتراض على الاقتصاد الأميركي، تعتمد على أمرين رئيسيين، الأول النمو الاقتصادي العالمي (الذي يدمره ترامب بحروبه التجارية)، والثاني معدلات الفوائد (التي يريد ترامب خفضها إلى الصفر). فما لم يتحقق نمو عالمي وما لم يكن لتداول القروض قيمة، فإن المنافع الخارجية لن تأتي.
رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ مايك إينزي قال إن “مسار الميزانية الحالي لا يمكن أن يستمر”. إذ تقل واردات الخزانة عن نفقاتها على نحو لا يمكن تسديده إلا بالاقتراض. وهذا ما لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية له. فضلا عن أن جبل القروض المتواصل يعلو بما لا يمكن للولايات المتحدة ارتقاؤه.
الحل الذي يقترحه ترامب بخفض الفائدة إلى الصفر، يعني من الناحية العملية وقف خدمة الدين. وهو سبيل غير معلن للإفلاس. أما جعل الفائدة سلبية، فيعني، نظريا على الأقل، أن على الدائنين أن يدفعوا أموالا للمدينين. وفي الحالتين، فإن ذلك سوف يؤدي إلى سقوط الدولار كأداة تداول رئيسية للاقتراض العالمي. ويجعل عائدات السندات بلا قيمة.
عمليا، الولايات المتحدة لا تقف على حافة الهاوية، بل إنها تقف في فضاء الهاوية أو ما بعدها. لأنها محمولة فقط بقدرتها على بيع السندات، وعلى وظيفة الدولار في الخارج، وليس على قدرتها على التسديد ولا حتى على الإنتاج.
لماذا تشتري سندات لا تعود عليك بأي فائدة، وفي الوقت نفسه تبلغ مخاطرها عنان السماء؟ البنوك سوف تسأل. وحالما يبدأ بيع السندات، لن يعود تحت الهاوية ما يسندها.
الصين بدأت بالبيع. إذ قلصت حيازتها بنحو 200 مليار دولار من أصل 1.130 تريليون دولار. دول أخرى، فعلت كذلك الشيء نفسه.
الاستمرار في حيازة السندات، هو بطبيعة الحال، شرط سياسي. إذ سيظل مطلوبا ممن يملكون هذه السندات أن يحتفظوا بها، تحت وطأة التهديد بانخفاض قيمتها
إلى الصفر إذا ما أعلنت الولايات المتحدة إفلاسها. ولكن هل سيكون بوسعك أن تجبر المستثمرين على شراء المزيد؟
هذا هو السؤال الأصعب. وما لم يتوفر نمو كاف في الاقتصاد العالمي، لكي ينمو معه الطلب، فإن إجمالي الإنتاج السنوي الأميركي البالغ 22 تريليون دولار، لن يتوسع، ولن يعود قادرا على تمويل العجز.
طباعة المزيد من الدولارات، في فضاء الهاوية، ستكون هي الحل الوحيد. ولكنها سوف توفر، بحد ذاتها، صاعق التفجير الذي تنتظره القنبلة. إنه شيء يشبه الجمع بين النار والبارود، أو بين التضخم النقدي وبين تراجع النمو.
الإفلاس سيكون مدويّا، وهزاته الارتدادية سوف تصل إلى كل مكان، من دون استثناء.
ساعتها، قد لا تتاح فرصة للضحك على أيّ من أفلام الكارتون. النكتة نفسها ستكون مأساة. فإذا كنت تملك 10 دولارات زائدة، فمن المفيد أكثر أن تشتري بها حمص.