الرئيس القويّ، ولبنان القويّ، والجمهورية القوية، عظيم... كـلُّ شيءٍ عندنا قـويّ.
ولكنَّ القَّـوةَ الملغومةَ بالقوّة المضادة، هي التي تطوّقُ الرئيسَ القويّ ولبنان القوي والجمهورية القوية، بشريطٍ مفخَّـخٍ ناسف.
الثورة طرحتْ إشكالاتٍ وتساؤلات حول تحديد مواصفات الرئيس القوي، إنطلاقاً من تسلسل تاريخي رئاسي حافل.
الرئيس القوي بتمثيله الشعبي يتعرّض للمحاربة بتمثيل شعبي مضاد، إذا طغـى الثـقلُ الشعبي على الثـقلِ العقلي.
بشارة الخوري المرشّح القوي للرئاسة، واجَـهَ مشاكسةً ضاريـةً من إميل إدّه المرشح الرئاسي القوي، فأدّى صراع القوَّتين إلى ترشيح الشيخ محمد الجسر للرئاسة، وكادت صاحبة الفخامة تطـير من إيدي الموارنة، لو لم يتدخّل المفوض السامي الفرنسي بحلّ المجلس النيابي.
وبشارة الخوري الرئيس القوي، عندما استقْوَتْ ولايتُه بالفساد تألّبَ عليه السياسيون الأقوياء وأسقطوه في النصف الثاني من الولاية المجدَّدة.
وكميل شمعون الرئيس القوي بسبب إلغاء كـلّ الأقوياء إنتهى عهده بثورة.
وفؤاد شهاب عندما أصبح يتمتّع بالثقل النيابي والشعبي القوي، تنكّر له الموارنة، وانقلب تمثال سيدة حريصا ضـدَّه.
وسليمان فرنجية الموصوف بقوته بدأ عهده بثورة وانتهى باحتلال.
وبشير الجميل القوي، لأن عهده تضارب مع كل قوى الحرب إنتهى قبل أن يبدأ باغتيال.
والجنرال ميشال عون القوي عسكرياً، وسمير جعجع القوي ميليشياوياً تدمّرت معهما المنطقة المسيحية بحروب التحرير والإلغاء.
مصيبة القوة المارونية في أنّها تتجـنّد سباقاً محموماً نحو ذلك الفردوس الذي إسمُـه بعبدا، تلك الجنّة التي تجري من تحتها الخطايا كما الأنهار، وتجري من فوقها حيّـةٌ وتفاحةٌ وحواء.
حواء المارونية لا تزال تَـلِدُ أبناءَها بالوجع السياسي، وقديماً عندما استُعمل المخـدِّر للمرة الأولى إعترض رجال الكنيسة لأن تخفيف آلام الوْضعِ مغايرٌ للدين، ولأنه كُتِـبَ للمرأة أنْ تلِـدَ بالأوجاع.
الحقائق السياسية تفرض علينا الإعتراف، بأنَّ الكثير من الأحداث السياسية المضطربة في لبنان، غالباً ما يخيِّم عليها الشبح الماروني الرئاسي.
وأنّ كثيراً من الآمال المارونية قد تبدَّدت بسبب جنون الشبح، حتى أصبحتِ الرئاسة الأولى أشبه بالصنَم، والصنَم حسب جبران خليل جبران: "ترابٌ جبَلتْـهُ الشياطين فوق رابية من جماجم الأموات...".
من المغامرة الرهان على التخلّي عن هذا الموروث الرئاسي الماروني وقد أصبح مرتبطاً بعقدة بيوليوجية، فلا يولَدُ طفلٌ حتى يحمل معه جرثومةَ الفخامة، بل لعل الثورة تحقق لنا الخلاص بتحقيق أهدافها بالدولة المدنية، مثلما تحوَّلَـتْ فرنسا سنة 1905 عن المسيحية الى العلمانية حسماً للإقتتال المسيحي على السلطة بين البابا والأمبراطور، فإنْ أخفقت الثورة، فلا يبقى إلاّ آخـر العلاج الذي هو الكيّ: أَسْلِموا الرئاسة... وخلّصونا.