يروي أصحاب الصناديق الخضراء حكاية تربط باريس بتاريخ الكتب والثقافة والأدب الفرنسي، من روايات منسية وكتب وصحف شاهدة على تاريخ ما قبل الحروب وبعدها.
 
ولا يكتمل المشهد الباريسي دون التعرف على بائعي الكتب القديمة الذين يساهمون في تشكيل سحر ضفاف نهر السين باعتبارهم جذباً سياحياً وتراثاً أدبياً لا يمكن الاستغناء عنه في هوية البلد.
 
ولا يزال بائعو الكتب القديمة محافظين على الرمزية الثقافية الذي اشتهرت به فرنسا منذ 3 قرون، إذ أدرجتهم وزارة الثقافة الفرنسية على قائمة التراث الثقافي غير المادّي للمخزون الفرنسي في شباط الماضي، بناء على طلب من مجلس مدينة باريس، وهو شرط أساسي للترشّح المحتمل وخطوة أولى نحو الاعتراف بهم في لائحة التراث العالمي لليونسكو.
 
 
بدأ تقليد بائعي الكتب المستعملة على شكل بائعين متجولين في الأسواق منذ القرن السادس عشر، ويرمز إلى بائعي الكتب الذين يبحثون دائما عن الشمس لبيع كتبهم.
 
وظهر مصطلح «Boucquain» بمعنى «كتاب صغير» عام 1459، ليصبح بعدها مرادفاً لكلمة «كتاب» في نهاية القرن السادس عشر. أما مصطلح «بائع الكتب» أو «Bouquiniste» فقد ظهر لأول مرة في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1789، ليقصد به «كلّ من يبيع أو يشتري الكتب القديمة أو المستعملة». وأثناء الثورة الفرنسية، من عام 1789 حتى عام 1795، أدّى الانخفاض الحاد للإنتاج المكتوب وقلة الطباعة، التي اقتصرت على الصحف والمنشورات الثورية، إلى ازدهار قيمة بائعي الكتب المستعملة.
 
وخلال فترة حكم نابليون، زيّنت الأرصفة وانتشرت أكشاك باعة الكتب من رصيف فولتير إلى جسر سان ميشيل، ليؤدي ذلك إلى التفكير في إنشاء نقاط بيع ثابتة في باريس في عام 1859 من قبل السلطات العامة حتى يتسنى لهم الحصول على الحقوق نفسها للتجار العامين في المدينة.
 
ولا يمكنك زيارة باريس دون أن تلاحظ صناديق باعة الكتب الخضراء في الهواء الطلق وهي تعرض كتبها القديمة وتحفها الأدبية المعاصرة والمرصوصة بأناقة وعناية. يوجد نحو 230 صندوقاً باللون الأخضر الداكن يفتح من شروق الشمس إلى غروبها، على امتداد 3 كيلومترات على ضفّتي نهر السين من بون ماري إلى رصيف اللوفر على الضفة اليمنى، ومن رصيف لاتورنيل إلى رصيف فولتير على الضفة اليسرى.