رغم كل التدابير الاستثنائية التي اتخذتها المصارف، ورغم الهلع من هبوط سعر صرف الليرة مقابل الدولار، طمأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى أنّ سعر صرف الليرة مستقر وان لا لجوء الى اي haircut ولا capital control، بل كشف انّ هناك تسهيلات جديدة ستتخذها المصارف فوراً تجاه المودعين من شأنها أن تريح الأسواق.
 

أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة انّ «البنك المركزي عمل في السنوات الماضية على المحافظة على الثقة بالليرة اللبنانية التي هي أداة لتأمين نمو اقتصادي واستقرار اجتماعي».

واعتبر انّ النجاح بالمحافظة على الليرة يُقاس بمقدار ما خَدم اللبنانيين وقدّم لهم العيش الكريم. وقال خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في مصرف لبنان: نحن في اقتصاد مدولَر، لذا الليرة اللبنانية وثباتها عنوان ثقة لاستمرار دخول الدولار الى لبنان.

وشرح انّ الهندسات المالية التي قمنا بها سمحت بتكوين احتياطات كبيرة دعمت الليرة، وساعدت أن تبقى لدينا ملاءة بالمصارف وبالمحافظة على إمكانيات تمويل البلد.

وأكد انّ المال العام لم يستعمل في الهندسات المالية التي قمنا بها، بل انّ الدولة قبضت ضرائب من نتائج هذه الهندسات بحدود 800 مليون دولار، ومصرف لبنان حسم من الفوائد على الأوراق المالية التي قبضها بما يساوي 5 مليارات دولار، وبالتالي انّ المطالبة بإعادة أموال الهندسات المالية كلام غير دقيق».

وقال: «بسبب التطورات الاخيرة دخلنا في ظروف استثنائية، فبعدما كانت الامور النقدية تتحسّن، اذ انه ما بين تموز وايلول ارتفعت موجودات مصرف لبنان بالموجودات الاجنبية ملياري دولار، لكن بعد إدراج أحد المصارف على لائحة «اوفاك» نتجت عنه ردة فعل في الاسواق المالية وتم سحب مبالغ نقدية كبيرة بالليرة اللبنانية من صناديق مصرف لبنان، بحيث انه بين ايلول وتشرين الثاني سحبت أوراق نقدية من مصرف لبنان على قدر ما سُحب خلال 3 سنوات، ما أثّر على سوق الأوراق النقدية بالدولار، لذا شهدنا ارتفاعا في اسعار الدولار عند الصرّافين، وتوجّه اللبنانيون نحو الادّخار في المنازل والمقدرة بنحو 3 مليار دولار.

وأكد سلامة انه في ظل هذه المرحلة الجديدة التي نمر بها، سنستمر بالمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة والمصارف ستستمر بالتعاطي مع المودعين على أساس سعر صرف الليرة بالتسعيرة الرسمية، واعتبر انّ الفارق في سعر الصرف بين المركزي والصرافين هو نتيجة العرض والطلب ولأنّ مصرف لبنان لا يتعاطى بالاوراق النقدية بالدولار، ولن يكون عنده مخزون بالاوراق النقدية بالدولار لعدة أسباب، ولن يؤمّن الدولارات للصرّافين من اجل المحافظة على السعر.

لا «haircut»

أضاف: في هذه الظروف الاستثنائية يبرز هدف مصرف لبنان الاول الحفاظ على الليرة اللبنانية وإمكانياتنا متوافرة لذلك، هدفنا الاساسي ايضاً هو حماية الودائع والمودعين، واتخذنا الإجراءات الللازمة كي لا تقع الخسائر في صفوف المودعين. وأكد سلامة ان «لا «HairCut» على الودائع، وهذا التدبير غير وارد لعدة أسباب، منها لأن لا صلاحية قانونية لمصرف لبنان لذلك»، كما لن يمر قانون في مجلس النواب يجيز اقتطاع الاموال من المودعين، إنما الآلية التي وضعناها تهدف الى حماية المودع من خلال عدم التعرض لتعثّر أي مصرف. وتجنّباً لتعثر أي مصرف، عَمّمنا على المصارف انه في مقدورهم الاستلاف من مصرف لبنان حاجتهم من السيولة بالدولار بفائدة 20 في المئة، لكن هذه الاموال غير قابلة للتحويل الى الخارج، ويحقّ لأي مودع ان يستعمل هذه السيولة في لبنان وأن ينقلها من مصرف الى آخر وان يستثمر بالعقارات... إنما ولأنها أموال مصرف لبنان لا يمكنه ان يحوّلها الى الخارج.

تابع: انّ مسألة التحويلات الى الخارج تعود الى العلاقة الموجودة بين المصارف وزبائنها، لكن في هذه الظروف الاستثنائية يجب ان تقوم هذه التحاويل التي تجريها المصارف من أموالها على تلبية الضروريات، ونحن طلبنا من المصارف ان يقوموا بتلبية هذه الضروريات.

قرارات جديدة

تابع: انّ المصارف فتحت ابوابها بعد احداث 17 ت1 في ظروف صعبة لم تتبلور حينها أي حلول سياسية للأزمة والثورة، أخذت حينها قرارات متحفظة، لكننا اتفقنا مع المصارف على العودة الى اعتماد ممارسات تساوي بين الوضع الاستثنائي والضروريات وتليبة حاجات اللبنانيين.

كما طلبنا من المصارف إعادة درس التسهيلات التي خفّضتها من 17 تشرين الاول، وإعادتها إلى وضعها، وان تلبّي الشيكات المرتجعة الناتجة عن تخفيض هذه التسهيلات. كما طلبنا من المصارف ان لا توقف التسهيلات إنما خفضها في حال انتظام التسديد.

وطلبنا أيضاً الإبقاء على سقوف بطاقات الائتمان وان تتم تلبية السيولة لذلك». كما طلبنا من المصارف ايضاً ان تسمح للبناني بتغطية ديونه ولو كانت قروض التجزئة، بالعملة اللبنانية ولو كان القرض بالدولار.

أمّا في ما يتعلق بأسعار الدولار عند الصيرفة والاستيراد، قال: صحيح انه لا يمكن لمصرف لبنان ان يدخل بالأوراق النقدية عند الصرافين، إنما مصرف لبنان أصدر تعميماً سمح بتلبية الحاجات بالدولار الاميركي لاستيراد ما يتعلّق بالبنزين والأدوية والقمح»، وقد بدأ تنفيذ هذا التعميم، وستبقى سارية المفعول طالما لا تزال المصارف قادرة على العمل مع المصارف المراسلة.

امّا الودائع فمؤمّنة حتى لو شهدنا بعض ادارة للسيولة في لبنان، وهذه الادارة لا تعني انّ الملاءة في القطاع المصرفي انخفضت او تشكّل مخاطر على الودائع. وقال سلامة: سنحاول خلال هذه الفترة، من خلال تنظيم السيولة، خفض الفوائد حفاظاً على استمرارية المصارف في لبنان، وحفاظاً على ملاءة الاقتصاد اللبناني والقطاعات.

لا «Capital Control»

وأكد سلامة انّ لمصرف لبنان الامكانيات، ويملك سيولة بالعملات الاجنبية منها على شكل استثمارات، ومنها في سندات للجمهورية اللبنانية، الى جانب انه مموّل للقطاعين العام والخاص.

وشدد على اننا موّلنا الدولة ولم نصرف. من صرف هو من أقرّ الموازنة ومن راقبها، ولا علاقة لمصرف لبنان بهذا الموضوع. نحن نؤمن التمويل للبلد حفاظاً على استمراريته وليس نحن من يصرف الاموال.

الى ذلك، أعلن سلامة انه لن يكون هناك «Capital Control» او تقييد التحاويل بشكل قانوني في لبنان، وأكد انّ هذه المسالة غير واردة لأن ليس لدى مصرف لبنان الصلاحية بقانون النقد والتسليف ان يقدم على هذه الخطوة، لأننا كبلد نعيش على حرية التحاويل ونتموّل من تحاويل اللبنانيين غير المقيمين، لذا إنّ «Capital Control» غير موجودة ولن تكون.

كما طلبنا من المصارف ان يكون لكل مودع debit card بالعملة التي يريدها، وذلك بهدف حماية المودعين من عمليات استعمال النقد المزور أو تجنباً للسرقات. ودعا سلامة الى إعداد موازنة من دون عجز، وذلك من دون الاضرار بالعاملين بالدولة ولا تحميل المواطن ضرائب جديدة.

حوار

ورداً على سؤال عن حجم احتياطي مصرف لبنان حالياً، قال سلامة: من دون احتساب الذهب، يقارب احتياطي مصرف لبنان 38 مليار دولار بما فيه اليوروبوند واستثمارات المصرف المركزي. امّا القدرة النقدية للمركزي والقادرون على استعمالها فوراً فهي 30 مليار دولار.

وعمّا اذا كان ينفّذ السياسة المالية الاميركية بفرض حصار على لبنان، قال: أنا أنفّذ فقط السياسة التي تخدم مصلحة لبنان، ومصلحة لبنان واللبنانيين هي الاساس، ومصرف لبنان يحاول أن يحمي لبنان بالظروف الصعبة التي تجتاح المنطقة والخارجة عن سيطرة لبنان ومصرف لبنان.

وأوضح رداً على سؤال آخر انّ المركزي طلب من المصارف ان تقوم بتصحيح الاجراءات والقيود التي اتخذتها بعدما أعادت فتح ابوابها والتي فاجأتنا بها، وللغاية ستعقد جمعية المصارف اجتماعاً مساء اليوم (أمس).

وعن اي نية للاستقالة، قال: لن ندخل في هذه المواضيع في الوقت الحاضر.

أمّا عن حل مسألة التحويلات الى الخارج، فقال: انّ التحاويل الى الخارج ستخضع للتنظيم، أما بالنسبة الى التسليف الذي تقوم به المصارف عادة للدولة فهو لم يعد موجوداً. انّ مصرف لبنان هو من يحمل 53 في المئة من دين الدولة بالليرة اللبنانية، وما شهدناه في السنتين الماضيتين هو ارتفاع في الدولرة، وابتعاد تسليف القطاع المصرفي للدولة في مقابل مزيد من التسليف الى القطاع الخاص وحلّ البنك المركزي محل المصارف في تمويل الدولة.

من جهة أخرى، أكد سلامة انه سيتم تسديد استحقاق الدولة اللبنانية بالدولار الذي يستحق خلال تشرين الثاني، وقد تبلّغت المالية بذلك.

وعن قيمة التدابير التي أعلن عنها في ظل توجّه موظفي المصارف الى الاضراب المفتوح، قال: لم أكن على علم بإضرابهم، لكنّ التدابير او التعليمات التي أعطيت للمصارف من حيث إعطاء التسهيلات للمودعين ستنفّذ، أما الاضرابات فيمكن إيجاد حل لها.

وأوضح انّ تراجع حجم الودائع لا يعني مطلقاً انه تم سحبها من لبنان، إنما جرى احتواؤها في المنازل.