اجتمع مجلس القضاء الأعلى، اليوم في جلسة طارئة، وأصدر بياناً جاء فيه أن "وطننا لبنان يمرّ اليوم في مرحلةٍ مصيريةٍ ومفصليةٍ من تاريخه، بعد مئة عام على إعلان دولة لبنان الكبير. إنها ولا شك مرحلة صعبة ودقيقة، لكنها قد تؤسس لمرحلة جديدة، عنوانها تعزيز دولة القانون والحق.
إنّ بناء الدولة الحديثة، التي تتلاقى مع تطلّعات مواطنيها وآمال شعبها، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود قضاءٍ حرٍ ونزيه، يُكرّس من خلال سلطة قضائية مستقلّة وعادلة، مؤتمنة على حريات اللبنانيين وحقوقهم، ومُهابة من المرتكبين والفاسدين والمخلّين بالقانون.
لذا انطلاقاً مما تقدّم، ومن دور السلطة القضائية، إحدى السلطات الدستورية الثلاث، التي أعطيت سلطة الحكم باسم الشعب اللبناني الذي هو مصدر السلطات، وانطلاقاً من أنّ تفعيل دورِ هذه السلطة، لا يمكن أن يتم دون قوانين تؤمّن استقلاليتها وفعاليتها، ودون قوانين عقابية وزاجرة واضحة المضامين والأحكام، فإنّ مجلس القضاء الأعلى، المؤتَمَن على استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز دورها وتفعيله، ضمن الأطر الدستورية والوطنية، توافَقَ على ما يأتي :
أولاً: دعوة مجلس النواب، في ضوء جدول أعمال الجلسة التشريعية تاريخ 12/11/2019:
- إلى ادراج اقتراح القانون تاريخ 18/1/2017 الذي يتضمّن تعديل المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي واقراره كخطوة أولى، بما يعطي مجلس القضاء الأعلى صلاحية إجراء المناقلات والتشكيلات القضائية دون الحاجة لاستصدار مرسوم، وذلك لحين إقرار قانون متكامل لاستقلال السلطة القضائية في أسرع وقت ممكن.
-الى استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى، في اقتراحي القانونين الراميين الى انشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، والى منح عفو عام عن عدد من الجرائم، وفي أي اقتراحات أو مشاريع أخرى مرتبطة بالقضاء العدلي، وفقاً لما تفرضه أحكام الفقرة (ز) من المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي.
ثانياً: دعوة مجلس النواب أيضاً، إلى الإسراع في إقرار اقتراح القانون الرامي الى تعديل قانون الإثراء غير المشروع، الذي من شأنه تفعيل الملاحقات وسد الثغرات التي قد تعتري القانون الحالي. علماً أنه سبق لمجلس القضاء الأعلى، أن اجتمع مع القضاة المختصّين، وحثّهم على اتخاذ الإجراءات المفترضة في هذا الصدد، على أن تواكَب هذه الإجراءات عند الضرورة برفعٍ للحصانات الدستورية من قبل مجلس النواب.
ثالثاً: دعوة جميع مكونات المجتمع اللبناني، ووسائل الاعلام كافة، الى المساهمة الإيجابية في تحصين السلطة القضائية، التي تبقى المدماك الأساسي في بناء دولة القانون والمؤسسات، واجتناب ما يقوّض أُسُسَها.
رابعاً: إبقاء اجتماعاته مفتوحة لمواكبة تنفيذ مقرراته.
أخيراً، صحيح أنّ النداءات المطلبية والشعارات من شأنها المساعدة على جعل القضية القضائية قضية شعب ووطن وانسان،
لكن الصحيح أيضاً، أنّ نجاح هذه القضية يكون عند قيام السلطة القضائية بدورها وواجباتها كاملة، في إصدار الأحكام ومعاقبة المخلّين بالقانون، وهو الأمر الذي تمّت المباشرة به من خلال ورشة قضائية إصلاحية، عناوينها الأساسية "الشفافية" و"التنقية الذاتية" و" تشكيلات قضائية وفق معايير موضوعية"، علماً أننا جميعاً شركاء في مشروع نهوض قضاء ودولة ووطن، ما يفترض استنهاضاً للإرادات، وتحفيزاً للمسلّمات، وصولاً وتوصلاً إلى سلطة قضائية مستقلّة في خدمة الوطن والمواطن والإنسان.