لمن لا يعي أدب الشارع، فهو لا يقلُّ أهميةً عن أي أدب يكتبه المرء عمَّا يختلجه من أفكارٍ وأشعارِ وألمٍ وسرورٍ، كذلك أدب الشارع هو شكلٌ من أشكال التعبير، ويعتبر عالمياً حالة تنفيس عن فرحٍ أو ألمٍ أو معاناة، فهذا الأدب هو الذي يعبر كل من أراد ويريد عمَّا بداخله، سواء بكتابة شعارٍ على لوحةٍ أو لافتةٍ أو جدرانٍ بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ، فيطلع الشعار حالة إنسانية معبِّرة تحكمها المشاعر المرحلية التي يمرُّ بها المرء، وحالة الألم والوجع التي يعيشها الإنسان في وطنه ومجتمعه، من خلال هذا نستحضر "أدب الشوارع أو الشارع" الذي غالباً ما يكون عن ظلمٍ ووجعٍ وإضطهادٍ وظلمٍ وهدرٍ للحقوق وسرقة لكلٍ إنسان لا حول له ولا قوة.
فثورة 17 تشرين رفعت شعار "الطنجرة" الذي هو شعارٌ وموقفٌ يُعبِّر عن جوعٍ وهدرٍ للحقوق، وهو شعارٌ لا يمكن لأي إنسانٍ يملك ضميراً أو ديناً إلاَّ أن يستوقفه صوت الطنجرة أو المقلاة، التي لا ينفع معهما حكمةٌ أو موعظةٌ أو وعدٌ في جنات عدنٍ أعدَّت للجوعى والمرضى، ونعتقد بأنَّ كل من يستخف بحقوق الناس المهدورة، ويرقص على وجع الناس وحاجاتها، تحت أي تبريرٍ فهذا لا يخلو من وجهة نظرٍ حول الدين الذي يحمله أو المعتقد الذي يبشرُ به، بل وحتى من وجهة إنسانية، فنحن نرفض أي دينٍ يكتفي بعناوين وعمائم وصولجانات مزخرفة ولا ينزل إلى أدب الشارع الذي ينادي بالمظلومية والإضطهاد، فلا خير في دينٍ مزخرف، ولا خير في دينٍ يثير الكراهية بين الآخرين، وبدينٍ خالٍ من جمال الضمير والوجدان، وبدينٍ خالٍ من حب الإنسان لأخيه الإنسان، ولحب الأوطان والخير لجميع بنيه، ألم نقرأ في الدين، "الإنسان أخو الإنسان أحبَّ أم كرِه"، ألم نقرأ في الدين من أنَّ "حب الأوطان من الإيمان" ونقرأ "من لم يهتم بأمور المسلمين وأمور الناس فليس بمسلم، وليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع"، أو ما آمن من بات شبعاناً وجاره جائع، فكيف بوطنٍ جائع ومسروقٍ وشعبه يعاني البؤس والشقاء والتعب والمرض والخوف والجوع وعدم تكافؤ الفرص والعيش، فنحن نرفض أيَّ دينٍ خالٍ من الإنسانية، وهذا علي (ع) الإنسان الذي قال "والله لوتعثَّرت دابةٌ في أقطار الأرض لكنت أنا المسؤولٌ عنها" فما بالنا نحن الذين ننتمي إلى هذا الإمام العظيم ولا نبالي لتلك الأصوات الموجوعة والمقهورة، وربما نستهزء بمن عبَّر عن وجعه وجوعه بالضرب على الطنجرة أو المقلاة، لأنَّ الذي يملك هذا النوع من الرقص أو الإستهزاء والإزدراء على هذا الشعار فهو قطعاً ينتمي إلى دينٍ مزخرف، وعناوين جوفاء ميتة مشبعة بحقنةٍ سامة، فدين أهل البيت (ع) ودين أمير المؤمنين (ع) يرفضونه بلا أية مرية أو فرية في ذلك. وقال (ع) في عهده لمالك الأشتر : " الله في الطبقة السفلى مع الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى".
وهذه الطبقة هي التي تشكل الأكثرية في المجتمع، أي طبقة المظلومين والمحتاجين، وهي بنظر مولانا أمير المؤمنين (ع) صاحبة الحق، لأنها لا غاية لها من هذه الدنيا إلا سد الجوع والحاجة، وستر العورة، وهذا أقل ما يجب على كل إنسان موالٍ ومحب، ولهذا قال بعض العلماء:" كل ما تدعو إليه الحاجة فهو لله، وكل ما زاد عنها فهو لغير الله". وقال عالمٌ آخر وهو "محمد جواد مغنية" : الطبقة العليا فغايتها القصوى جمع المال، ولا ترى الحق والخير إلا بالحصول عليه من كل سبيل، فإن أنفقت فاسرافاً، وإن أمسكت فاحتكاراً، فهي في كلا الحالتين مبطلة مغتصبة، وبهذا نجد السر لقول الإمام علي (ع) " الزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة". لأنها لا تطلب إلا الكفاف، وهو حقٌ لكل إنسان..