السياسة الإيرانية مثلها مثل كرة القدم الايرانية خلال العقد الأخير حيث تعرف جيدا التقوقع إلى الدفاع عند اشتداد هجوم الفريق المنافس والتحول من الدفاع الى الهجوم. وشاهدنا هذا التقوقع خلال الشهور الأولى من إعادة الرئيس ترامب العقوبات الاقتصادية مع إضافة الحد الأقصى من العقوبات التي لم تعهدها إيران سابقا. وتراجعت العملة الإيرانية امام الدولار ما ترك تأثيرات سلبية على جميع مناحي الحياة في إيران من الصناعة إلى الزراعة إلى الصحة وما الى ذلك. تلك التاثيرات اوهمت إدارة ترامب بأن إيران على وشك السقوط والانهيار وأن تلك العقوبات ستجبر إيران على الدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة.
ولكن لم يحصل الانهيار الذي كان يتوقعه ترامب وإنما الذي على وشك الانهيار هو الاتفاق النووي حيث واصلت إيران مسار تقليص تعهداتها التي أقرها الاتفاق النووي وخطت الخطوة الرابعة من هذا المسار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وعجز الاتحاد الأوربي من إنقاذه.
ان إيران أعطت فرصة كافية للاتحاد الأوربي للوفاء بتعهداته اثناء المفاوضات وفي نص الاتفاق وبعد انسحاب الولايات المتحدة منه.
وبدءت إيران الأربعاء الماضي عملية اعادة تخصيل اليورانيوم بمستوى 4.5 في منشآت فوردو بعد التزامها بمستوى 2.67 طيلة فترة ما بعد إبرام الاتفاق النووي.
هذه الخطوة لا تعني خروج ايران من الاتفاق النووي وإنما هي تطبيق حرفي لنص الاتفاق النووي حيث يسمح لإيران بإعادة أنشطتها النووية ورفع مستوى التخصيب لليورانيوم بحيث يتجاوز 3.67.
ان إعلان الرئيس روحاني عن تنفيذ الخطوة الرابعة لتقليص تعهدات بلاده يمثل مكسبا له في الداخل حيث أنه تمكن من إرضاء معارضيه المتشددين والتعويض بعض الشيئ عما يعتبره المتشددون خسارة إيران إنجازاتها النووية. ولكن في المقابل لم يكترث فريق الرئيس ترامب إلى تلك الواقعة ولم يعطوا حقها خلال تصريحاتهم وبياناتهم واكتفى وزير الخارجية الأمريكي بمطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات جدية إزاء التحركات الإيرانية الجديدة في مجال البرنامج النووي. يعود سبب هذا الرد الخجول الأميركي أولا إلى أن ترامب يستقبل معركة رئاسية في العام المقبل ويعرف جيدا أن سهام تصعيده مع إيران ستعود اليه حيث سيرد عليه الديمقراطيون بانه هو المتهم الأول للأوضاع الراهنة بانسحابه الأحادي من الاتفاق النووي. ولهذا السبب يفضل ترامب أن يتجرع السم ويلتزم الصمت ازاء ما تفعله إيران.
وليس غريبا عند ما نرى وزير خارجيته بومبيو يلتجئ الى المجتمع الدولي وإلى الاتحاد الأوربي ويطالبهم بالوقوف في وجه الابتزاز الإيراني. يعرف بومبيو أن هذا الابتزاز الإيراني وليد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أعتبره ترامب أنه اسوء اتفاق شهده التاريخ. واذا كان الاتفاق النووي هو اسوء اتفاق شهده التاريخ البشري فلما ذا يحرص ترامب على التزام إيران به وعدم انسحابها منه؟ اليس هذا تناقض سافر؟
وبالتزامن من استئناف إيران تخصيب اليورانيوم بمستوى 4.5 وما فوقع يسود الهدوء الاسواق الإيرانية والشوارع. هذا من فضل الرب أولا ومن فضل الرئيس ترامب ثانيا. ان النظام الإيراني لن ينس خدماته الجلية.