تلويح جعجع وجنبلاط بالبقاء خارج الحكومة الجديدة يفقد السلطة التنفيذية توازنها.
أبدت أوساط سياسية لبنانية تخوفها من أزمة سياسية عميقة تستمر طويلا في لبنان.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن مخاوفها زادت بعد اللقاء الطويل الذي عقد، الاثنين الماضي، بين رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة سعد الحريري من جهة، ووزير الخارجية في هذه الحكومة جبران باسيل من جهة أخرى.
ودلت نتائج اللقاء على وجود موقفين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما في هذه المرحلة الخطيرة التي يمرّ فيها البلد إلّا إذا تدخّل حزب الله وأقنع صهر رئيس الجمهورية بأنّ تعنته ليس في مكانه في ظل التطورات التي يشهدها الشارع اللبناني في كلّ المناطق.
وكشفت هذه المصادر أنّ الحريري أبلغ باسيل مباشرة أنّه لن يقبل تشكيل حكومة جديدة إلّا في حال توافر شروط معيّنة من بينها اقتصار أعضاء هذه الحكومة على اختصاصيين من ذوي الكفاءات المشهود لها ينصرفون إلى معالجة المشاكل التي يعاني منها لبنان، خصوصا الوضع الاقتصادي. لكنّ باسيل، رئيس التيّار الوطني الحر، الذي فهم معنى كلام الحريري ردّ بأنّه مصرّ على أن يكون عضوا في الحكومة المقبلة بصفة كونه رئيس أكبر كتلة نيابية.
وأكد بذلك رفض شروط الحريري من أجل القبول بتشكيل حكومة جديدة.
وذكرت الأوساط نفسها أنّه على الرغم من أن الحريري شرح لباسيل أهمّية ما يدور على الأرض ابتداء من السابع عشر من أكتوبر الماضي وأن التحرك في مختلف أنحاء لبنان بمثابة “ثورة شعبية حقيقية”، إلا أن رئيس التيّار الوطني الحر تمسك بموقفه مبديا استخفافا كبيرا بالحراك الشعبي.
وتوقع أن ينتهي هذا الحراك “في غضون أيّام”.
وشدّد باسيل على وجود جهات خارجية تحرك الحراك إضافة إلى قوى سياسية داخلية تريد تصفية حسابات مع “العهد”، أي عهد الرئيس ميشال عون. وركز في هذا المجال على “القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع على وجه الخصوص.
وكشفت هذه الأوساط أنّ باسيل ربط بين تسمية تياره للحريري كرئيس للحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة المفترض أن يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الاتفاق المسبق على أن يكون هو في الحكومة الجديدة.
وكان ردّ الحريري على هذا الطرح بأنّه ليس متحمسّا للعودة إلى موقع رئيس الوزراء في حال عدم قبول شروطه لتشكيل حكومة جديدة. وحذر من خطورة الوضع المالي وتحدّث مرات عدة عن ضرورة التعاطي مع ما يجري على الأرض بجدّية كبيرة بعدما تبين أن أكثرية اللبنانيين ترفض الطبقة السياسية الحاكمة.
وتوقعت الأوساط السياسية أن يكون جواب باسيل على ما طرحه الحريري مرتبطا بموقف حزب الله الذي تربطه علاقة خاصة بوزير الخارجية في الحكومة المستقيلة.
وقال سياسي لبناني مخضرم إن الكرة حاليا في ملعب حزب الله الذي يتحكّم بجبران باسيل كلّيا والذي بدأ يستوعب معنى الثورة الشعبية التي يشهدها لبنان، بما في ذلك المناطق التي تقع تحت سيطرته المباشرة.
ويزداد وضع الحكومة القادمة تعقيدا بسبب ما يتسرّب عن قرار جازم سيتخذه حزبا القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والتقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط بعدم المشاركة في أي توليفة حكومية قادمة.
ورأى محللون أن إيحاء الاشتراكيين و”القواتيين” بأنهم زاهدون في أي عمل حكومي يطرح أسئلة حول القاعدة السياسية التي يمكن للحريري الاستناد عليها في حال تم اختياره لتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصا أن هناك رفضا من قبل حزب الله لفكرة حكومة التكنوقراط، وبالتالي فإن حكومة سياسية تحتاج إلى حضور سياسي يوازي ذلك الذي يمثله حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، ما يعني أن غياب حزبي جعجع وجنبلاط سيفقد السلطة التنفيذية توازنها، كما أنه سيجعل تيار المستقبل خاضعا لأجندات تتناقض مع حيثياته الداخلية وحساباته الخارجية.
Thumbnail
وتقول أوساط القوات اللبنانية إن نزوع حزب جعجع إلى عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، سواء شكلها الحريري أو غيره، متسق مع موقف القوات بالاستقالة من الحكومة قبل أن يقدم الحريري استقالته.
وتشير إلى أن قرارا كهذا لم يأت فقط استجابة لانتفاضة الشارع، بل تأسس على تراكم تجربة القوات داخل الحكومة المستقيلة، من حيث أن المشكلة بنيوية تتعلق بطبيعة المنظومة السياسية التي يطبق عليها حزب الله والتيار العوني، وأنه بات مستحيلا أن تنجح أي حكومة تشتغل وفق عقلية رئيس الجمهورية في بعبدا وصهره جبران باسيل.
وتقر أوساط القوات بأنها تتحمل جزءا من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من خلال الاعتقاد بأن الدفع بالمصالحة المسيحية بين القوات والتيار العوني وتأييد ترشح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية سيخلص البلد من حالة الانسداد التي وصلت إليها.
وعلى الرغم من سعي جنبلاط لانتهاج مواقف وسطية تتجنب الصدام مع حزب الله، إلا أنه كان أول من دعا الحريري إلى استقالة الحكومة، متناقضا بذلك مع موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي رفض استقالة الحكومة، مهددا من “يتهرب من المسؤولية” بملاحقته أمام المحاكم. وبقي موقف جنبلاط متضامنا رافضا استقالة وزرائه دون استقالة الحريري.
وذكرت مصادر قريبة من جنبلاط أن الزعيم الدرزي يجري اتصالات مع حلفاء الداخل، لاسيما رئيس المجلس النيابي زعيم حركة أمل نبيه بري، كما الجهات الخارجية من أجل تطوير وتصويب قراءته للموقف في البلد واستجلاء ما يمكن البناء عليه.
وتذهب بعض المصادر المراقبة إلى اعتبار موقفي الاشتراكي والقوات يمثلان رؤية متشائمة لمستقبل الأوضاع في لبنان، في السياسة والاقتصاد والأمن، وأن جنبلاط وجعجع قد لا يكونان جزءا من حكومة ستشهد انهيارات اقتصادية موجعة.
وترى هذه المصادر أن غياب رعاية إقليمية ودولية واضحة عن خرائط الحل للخروج من الأزمة الخطيرة الحالية، يعتبر أمرا محيرا، لاسيما لدى العواصم الأوروبية المهتمة بتجنيب لبنان فوضى قد تتداعى مباشرة على ملف اللاجئين، وتمثل خطرا على أوروبا نفسها.
وتخلص إلى أن عزوف جنبلاط وجعجع قد يعطي مؤشرا إضافيا على غموض الموقف الدولي واستنتاج الزعيمين المسيحي والدرزي لذلك.