الإسلام دين سماوي و هو آخر الرسالات السماوية المرسلة من قبل الله تعالى و حملها الرّسل والأنبياء إلى البشر.
وهي رسالة أوحى الله تعالى بها الى نبيه محمد بن عبدالله خاتم الرسل والانبياء وقد بلّغ الرسالة كاملة غير منقوصة، تتكامل مع الرسالات السماوية التي سبقتها وتلتقي معها في الأهداف والوسائل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهي تركز على لزوم تحلي الإنسان بالفضائل وتمسكه بمكارم الأخلاق كما جاء في الحديث عن رسول الله محمد(ص) :
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ويتفق الاسلام مع سائر الرسالات والأديان السماوية في نفس المصدر وفي الاشتمال على ذات الحقيقة و الجوهر و يشتركون في الغايات و الأهداف الرّامية لهداية الانسان سواء السّبيل ووضع القواعد الأخلاقية والحقوقية لتنظيم وقيام علاقات المجتمع البشري على أسس من العدالة و التّعايش السّلمي و المساواة في الحقوق الانسانيّة و الّتي يجمعها عنوان العمل الصالح على مستوى الفرد و مجتمعه و الاجتماع البشريّ كلّه.
وليس بإمكاننا أن نفهم الاسلام كدين ورسالة بشكل صحيح بعيداً عن الرّجوع الى الرسالة و حاملها و المؤتمن على تبليغها و يتمثل ذلك بالقرآن الكريم و سنّة الرسول محمد عليه أفضل الصلاة و السلام الّتي تحكي لنا أقواله وأفعاله ومواقفه وهذان المصدران يشكّلان الحَكَم و المرجع الذي نرجع إليه لمعرفة سلوك المسلمين و تمييز الموافق للدّين من المخالف له. فلا يصلح أن يكون سلوك بعض المسلمين و القيادات في الماضي أو الحاضر مصدراً لمعرفة الاسلام. فلا يمكننا أن نفهم الاسلام من خلال الحروب والصّراعات والنّزاعات الّتي مرّت في التّاريخ بين المسلمين أنفسهم أو بين المسيحييّن و المسلمين في بعض مراحل التاّريخ كما قال الإمام علي(ع):
(لا يُعرف الحق بأقدار الرجال.إعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف أهله).
كما لا يمكننا أن نفهم المسيحيّة بشكل صحيح وموضوعي بعيداً عن الإنجيل و الكتاب المقدّس من خلال الحروب الّتي قامت في أوروبا وغيرها باعتبار أن الّذين قاموا بها كانوا من المسيحيّين. فالسّلوك الفردي أو الجماعي يعطي صورة عن الشّخص و الجماعة و لا يصحّ مصدراً لمعرفة الأديان و المعتقدات لأنّ قواعد السلوك و الممارسات الّتي تتحكّم بالأشخاص لا تتطابق بالضّرورة مع الأديان الّتي ينتسبون إليها بالوراثة في كثير من الأحيان. وبعبارة أخرى إن السلوك و الممارسة قد يعكسان ما يعتقده الشّخص أو الجماعة ولكنّ ذلك لا يعكس ما يجب أن يكون عليه معتقد الشّخص أو الجماعة. فهناك فرق كبير بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون وبين الرسالة وبين من يزعم تطبيقها ويحمل بالوراثة إسمها.
ومن هذا المنطلق نعود إلى بداية حديثنا عن الإسلام وعناوين دعوته الّتي ابتدأت بعبادة الله الواحد واشتملت على الدّعوة للعدالة و التّعايش السّلمي بين الشّعوب و الجماعات و المساواة في الحقوق الانسانيّة بما في ذلك حرية الفكر و الرّأي و المعتقد.
الإسلام والإقرار بالله الواحد
الإسلام في معناه العام يعني التسليم والإقرار بالله الواحد الخالق لهذا الكون بكل ما فيه وهو الذي أخرجنا من ظلمة العدم إلى نور الوجود كما جاء في القرآن الكريم:
(ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) [سورة الأنعام،الآية 102]
(خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين) [سورة العنكبوت،الآية44].
(وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) [سورة مريم،الآية9].
(أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون!!) [سورة الطور،آية35].
(فإلهكم إله واحد فله اسلموا..) [سورة الحج، الآية34].
والإسلام بهذا المعنى من التسليم والأيمان بالله الخالق سبحانه وتعالى يكون معنى مضاداً للشرك والإلحاد والوثنية بكل أشكالها وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى:
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [سورة آل عمران، الآية86].
والمقصود ان من اتخذ الشرك والإلحاد ديناً فهو لا يستحق النعيم في الآخرة ولن يقبل منه الإنكار لله والشرك ديناً يوم العرض والجزاء.
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) [سورةآل عمران، الآية83].
وكما حكى الله عن بعض المتعصبين لانتماءاتهم الدينية وحصرِ رحمة الله بهم:
(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهُّم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [سورة البقرة،الآية 111-112].
والإسلام بهذا المعنى المتقدم من نبذ الشرك ورفض عبادة الأوثان يلتقي في دعوته هذه مع الرسالات السماوية الأخرى كما جاء في الإنجيل المقدس:
(أولى الوصايا جميعاً هي:اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا رب واحد-فأحب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل فكرك وبكل قوتك) [مرقس-12].
الإسلام والأيمان بالرسل والأنبياء:
بعد الأيمان بالله الواحد يتضمن الإسلام في دعوته الأيمان بكل الأنبياء والرسل وسائر الكتب السماوية ويعتبر الاعتراف بها كما أخبر عنها الله في كتابه من ضروريات الدين وثوابته التي يجب الإعتقاد بها. كما جاء في القرآن الكريم:
( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون)[سورة آل عمران، الآية 85].
الإسلام والحرية الدينية:
إحترم الإسلام عقل الإنسان وحريته وقد عرض الإسلام أدلته الواضحة على مسألة الأيمان بالله وأنبيائه ورسله وتشريعاته ، وخاطب في الإنسان عقله الذي يشكل وسيلة لإدراك الحقائق والتمييز بين الواقع والسراب والخطأ والصواب، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
( وقد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)[سورة آل عمران،الآية 118]
وطالب الإنسان أن يعتمد الدليل والبرهان كما في قوله تعالى:
( أإلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [سورة النمل،الآية 64].
وبعد أن طلب من الإنسان أن يعتمد مصباح العقل فيما يعتقد سلباً أو إيجاباً ترك له حرية الإيمان والاختيار فقد بين له السبل التي ينبغي أن يسلكها والسبل التي ينبغي أن يتركها وهو حر فيما يريد ويختار بعد ذلك كما جاء في قوله تعالى:
(وهديناه النجدين) [ سورة البلد،الآية 10] أي طريق الخير وطريق الشر
(إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) [سورة الإنسان، الآية 3]
وقال أيضاً (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)[ سورة الكهف،الآية 29]
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)[سورة البقرة،الآية 255]
وقال أيضاً (ومن يدعُ مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)[سورة المؤمنون، الآية117].
ويشهد لهذه الحرية الدينية أيضاً ما جاء في سورة (الكافرون) من تعاليم أعطاها الله لنبيه ليقولها في الحوار الذي دار بينه وبين المشركين في أوائل الدعوة:
(قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابدٌ ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين) [سورة الكافرون].
الإسلام والمساواة:
ينظر الإسلام إلى الناس نظرة تساوي بينهم في الحقوق والواجبات فلا فرق عنده بين الأعراق والألوان والأجناس فهم قد خلقهم الله من نفس واحدة ومع هذه الوحدة تزول كل الفوارق ولا يبقى ميزان للتفاضل سوى في العمل الصالح الذي يعود بالخير على الناس أفراداً وجماعات ومجتمعات ويشير إلى المعاني التي ذكرناها قوله تعالى:
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) [سورة النساء،الآية 1]
وقوله تعالى(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[سورة الحجرات،الآية 13]
وقوله تعالى( ولقد كرمنا بني آدم ..)[ سورة الإسراء،الآية70]
وقد جاء في عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر عندما ولاه على مصر: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية واللطف بهم والرأفة عليهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق )-نهج البلاغة-.
الإسلام في الحرب والسلم
دعوة إلى العدل وعدم الإعتداء
شرع الإسلام الحرب في حالة الدفاع عن النفس وهو ما يسمى عند الفقهاء بالجهاد الدفاعي والإسلام يرفض العدوان والتوسع وهو في الأصل يدعو إلى السلم كما جاء في قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنو ادخلوا في السلم كافّة)[ سورة البقرة، الآية 208]
ويدعو إلى العيش بسلامٍ وعدلٍ مع الآخرين الذين لم يعلنوا الحرب عليه كما جاء في قوله تعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ] سورة الممتحنة، الآية 8]
(إن الله يأمربالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم علكم تذكرون) [سورة النحل، الآية90]
واعتبر الإسلام أن الاعتداء على حياة الفرد اعتداء على الإنسانية جمعاء كما جاء في قوله تعالى:
(من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) [سورة المائدة،الآية 32].
وقوله تعالى:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). [سورة البقرة، الآية 190]
وقوله تعالى: ( لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم النّاس بالقسط ) أي بالعدل .[ سورة الحديد ،الآية 25]
الإسلام والتكافل الاجتماعي
وفي تشريعات الإسلام الدعوة إلى تكافل وتعاون أفراد المجتمع بعضهم مع البعض الآخر فأوجب على الأغنياء دفع زكاة الأموال إلى الفقراء واعتبر إعطائها للفقير عبادةً لله تعالى وقد تكرر في القرآن الكريم الإقتران بين الصلاة والزكاة:
) أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)
(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) [ سورة المعارج،الآية 25]
(ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكّن البّر من آمن بالله واليوم الآخر والملئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [سورة البقرة، الآية 177]
وجاء في الحديث الديني (إن الله أشرك الفقراء في أموال الفقراء فما جاع فقير إلاّ بما متع به غني) وفي حديث آخر(الخلق عيال الله وأحّبهم إليه أنفعهم لعياله).
ونهى الإسلام عن الإستغلال وجعله في عداد أكل المال بالباطل الذي ورد النهي عنه في قوله تعالى:
( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم)[ سورة النساء،الآية 29]
وقد حرم الربا في القرض تحريماً قاطعاً لما فيه من وجوه استغلال الإنسان لحاجة أخيه الإنسان وحرم الاحتكار وكل الأفعال والمعاملات التي تعود بالضرر على المجتمع.
وباختصار فإن (الدّين هو المعاملة) وأنّ : ( المسلم من سلم النّاس من يده ولسانه ) كما جاء في الحديث الدّيني وكما قال الإمام علي عندما سئل عن الاسلام :
( لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحدٌ قبلي : الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، و اليقين هو التّصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل الصّالح).
انفتاح الإسلام
ويبقى الإسلام منفتحاً على مسائل العصر ومستجداته من خلال مدرسة الاجتهاد التي تدعو إلى مواكبة حاجة الفرد والمجتمع واستخراج الحكم من خلال الدراسة المعمقة للآيات والنصوص الدينية.
ويبقى أن نقول إن العناوين التي طرحناها هي بعض الخطوط العريضة للإسلام وهناك أبواب كثيرة وخطوط عديدة في مجالات مختلفة في الإقتصاد والسياسة والأخلاق والقضاء والأحوال الشخصية والعبادات والعقود والمعاملات وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره فضلاً عن الدخول في تفصيلاته.
والحمد لله رب العالمين