وتوصف كربلاء بأنها قبلة الإيرانيين الشيعة، الذين يقصدونها مرات عديدة خلال العام الواحد، للتبرك بمرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي يقع وسط المدينة.
ومثل حرق القنصلية الإيرانية ذروة احتجاجات المتظاهرين ضد الهيمنة الإيرانية على كربلاء، إذ يؤكد متظاهرون أن القوات الفعلية التي تسيطر على المدينة خلال مواسم الزيارات الدينية، هي إيرانية وليست عراقية، فيما يتحكم الإيرانيون في عمليات التفويج والنقل والسكن والطعام وغيرها.
وفي بغداد أغلق محتجون جسر الأحرار الرابط بين شارع الرشيد ومنطقة الصالحية، حيث يقع مبنى التلفزيون الرسمي.
وقال مصدر أمني إن قوة أمنية فتحت النار على المتظاهرين، فقتلت منهم خمسة أشخاص، قبل أن يتفرقوا عن الجسر.
لكن المتظاهرين نظموا صفوفهم قبيل الغروب واكتسحوا الجسر ووصلوا عند تقاطع مروري يؤدي إلى مبنى التلفزيون الرسمي.
بالتوازي، تحرك متظاهرون في منطقة العلاوي وتوجهوا نحو مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي القريب.
وذكر شهود عيان أن حرس المكتب استخدموا قنابل الغاز والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.
ومع حلول المساء كانت مناطق الصالحية وشارع حيفا والعلاوي، الواقعة في جانب الكرخ، في أيدي المتظاهرين، الذين نظموا مفارز طبية وأغلقوا جميع الطرق الرئيسية بالإطارات المشتعلة.
ومنذ مطلع الأسبوع، بدأت هتافات المتظاهرين في كربلاء تأخذ منحى تصعيديا ضد إيران ونفوذها السلبي في البلاد، لكن الأوضاع تطورت كثيرا في ساعات متأخرة من مساء الأحد، عندما حاول المحتجون اقتحام مبنى القنصلية الإيرانية، لكن قوات الأمن منعتهم.
وبعد قليل، انتقل المتظاهرون إلى موقع احتجاج آخر ملاصق لجدار القنصلية، حيث ارتقاه عدد منهم لرفع العلم العراقي، بينما ألقى آخرون زجاجات مشتعلة في أكثر من اتجاه.
ويعد هذا التطور، الذي حدث في “مدينة الحسين”، كما يحلو للإيرانيين تسميتها، ضربة كبيرة للنفوذ الإيراني في العراق، الذي تريد طهران أن تظهر جوانبه الإيجابية فقط.
وكان جليا أن النفوذ الإيراني السلبي في العراق، هو أحد أهم المحركات لحركة الاحتجاج الواسعة، إذ تحول شعار “إيران برا برا”، إلى أيقونة في ساحات التظاهر في أرجاء البلاد.
وأعلنت القنصلية الإيرانية في كربلاء، الاثنين، تعليق عملها مؤقتا، وقالت إن الظروف الأمنية ليست مواتية لاستقبال الزوار الإيرانيين في المدينة، خاصة بعد مقتل ثلاثة عراقيين في الاحتجاجات المحيطة بها. فيما استنكرت وزارة الخارجية العراقية عملية اقتحام القنصلية الإيرانية بكربلاء، مؤكدة في بيان لها عمق علاقة الحكومة العراقية بالشقيقة الجارة إيران.
وخرج رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي ببيان مساء الأحد، أثار خلاله سخرية المتظاهرين، عندما دعاهم للعودة إلى منازلهم، بعد تظاهرات استمرت أكثر من شهور، دون أن يتحقق شيء من مطالبها.
Thumbnail
ومنذ بدء الاحتجاجات لوحظ أن كربلاء احتلت الصدارة بين المدن العراقية في علو صوت شبابها ضد الهيمنة الإيرانية، وذلك يعود إلى أن المدينة باتت محتلة من قبل الإيرانيين، فالسياحة الدينية التي كان من المتوقع أن تدر على سكان المدينة أموالا هائلة هي في الحقيقة صارت مصدر نقمة، ذلك لأنها تُدار من قبل جهات إيرانية هي المسؤولة عن إحلال العملة الإيرانية محل العراقية في السوق، وهو ما أفقد المدينة “المقدسة بالنسبة للشيعة” هويتها العراقية.
ولأجل ذلك كانت الاحتجاجات موجهة بشكل خاص ضد النفوذ الإيراني بحيث أحرق الشباب صور الخميني وخامنئي وسليماني وغيروا أسماء عدد من الشوارع، وهو ما شكل عنصر إحراج بالنسبة للحكومة المحلية الموالية لإيران.
وكان متوقعا أن يتجه المتظاهرون إلى القنصلية الإيرانية في كربلاء لذلك كانت أوامر القتل صريحة في حق كل مَن يقترب من القنصلية، وهو ما حدث فعلا.
وعزا مراقب سياسي عراقي اللجوء إلى القتل بمواجهة المحتجين إلى أن القنصلية هي الرمز الوحيد للنفوذ الإيراني بعد أن خلت شوارع المدينة من الإيرانيين، مضيفا أن تحرر كربلاء من الهيمنة الإيرانية واقعيا سيعني توجيه ضربة استثنائية للاحتلال الاقتصادي الإيراني.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إنه إذا كان عبدالمهدي قد كشف عن انفصاله عن الواقع السياسي الذي دفع الشباب إلى الاحتجاج على مفرداته اليومية، فذلك يعود إلى عزلته وعدم اطلاعه على القرار الإيراني الملتزم بعدم النظر بتقدير إلى قدرة المحتجين على الصمود وصولا إلى تحقيق أهدافهم.
وأضاف أنه لن يكون مفاجئا بالنسبة لعبدالمهدي إذا ما أدرك أن إصرار إيران على إبقائه في منصبه إنما يُراد منه تحويله إلى واجهة للقتل الذي قد تلجأ إلى التصعيد من وتائره الميليشيات التابعة لها.
وخلص إلى أن ما تبقى من حلول أمنية لا يبدو أنه كفيل بإنهاء التظاهرات أو التقليل من خطرها على بقاء النظام، فالمتظاهرون الذين صمدوا أمام القتل صاروا يكسبون مع الوقت تعاطفا شعبيا غير مسبوق، وأن الشيء الوحيد الذي يمكن توقعه يتعلق بسوء التقديرات الإيرانية التي يمكن أن تجر النظام إلى مقتله.