يدور في أوساط بعض المرجعيات الرسمية والسياسية، وفي بعض الدوائر الديبلوماسية العاملة في لبنان والتابعة لعواصم دول القرار، بحث في فكرة تأليف حكومة يطلق عليها إسم «حكومة إنقاذ» تتولى رئاستها شخصية مُنتخبة تملك قاعدة شعبية ولا شبهات فساد تحوم حولها، وتتمتع بثقة وعلاقات على الصعيدين العربي والدولي. أمّا وزراء الحكومة فيكونون من التكنوقراط السياسيين ومن التكنوقراط غير السياسين، إذا أريد لها أن تكون تكنوقراطية مطعّمة سياسياً، ولا تكون لهؤلاء الوزراء أي أهداف او مصالح انتخابية تدفعهم الى استغلال النفوذ خدمة لهذه الاهداف والمصالح. على أن تحدد ولاية هذه الحكومة الانقاذية الانتقالية بسنتين ونصف سنة، وتكون مهمتها الاساسية وبالدرجة الأولى:
ـ أولاً، معالجة الازمة الاقتصادية والمالية وإقفال مزاريب هدر المليارات من الدولارات سنوياً، وهي مزاريب باتت معروفة من خلال الموازنات العامة للدولة التي يتم إقرارها منذ 3 سنوات الى الآن.
والاشراف على إنجاز الملف النفطي والغازي، بما يُمَكّن لبنان من الاستفادة من عائداته لإيفاء ديونه وتعزيز اقتصاده وموارده المالية.
ـ ثانياً، تشكيل هيئة لمعالجة ملفات الفساد تتكوّن من قضاة لبنانيين مشهود لهم بالكفاية والاختصاص ونظافة الكف، وتعمل تحت إشراف دولي حتى لا يظهر عملها وكأنه تصفية حسابات مع هذه الجهة او تلك، ويكون هدفها الاساسي إعادة الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة. على أن تتعامل هذه الحكومة مع وضع الدولة الاقتصادي والمالي كما لو انّ هناك شركة عامّة مُفلسة، بحيث تُقيل مجلس إدارتها وتأتي بمجلس جديد يوحي أعضاؤه بالثقة والكفاية والخبرة وينتمون الى كل الطوائف، لأنه بعد كل ما جرى لا مفّر من تلبية مطلب الحراك الشعبي بمكافحة الفساد.
ـ ثالثاً، إقرار قانون انتخاب عصري يؤمّن صحة التمثيل الشعبي في المجلس النيابي، ويلحظ إجراء تعديل دستوري يقضي بخفض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة بما يراعي مطالب الحراك الشعبي، ثم تستقيل قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات الذي يستحق في ربيع سنة 2022، لتؤلّف حكومة من رئيس ووزراء غير مرشحين وغير حزبيين تشرف على إجراء الانتخابات النيابية التي ستنبثِق منها في حينه حكومة جديدة يتولى رئاستها من يفوز بأكثرية نيابية، وتشرف على إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في خريف العام نفسه، حيث تنتهي ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول.
ـ رابعاً، إنشاء طاولة حوار لشؤون الامن والسياسة الخارجية وعلاقات لبنان العربية والدولية وقضايا الحرب والسلم، وتتمثّل على هذه الطاولة الكتل النيابية الكبيرة، وإذا لزم الامر تشكّل لها لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء.
يعترف الجميع من مرجعيات وقيادات وأحزاب بأنّ الحراك الشعبي، الذي يبدو أنه لم ينته فصولاً بعد، قد فرض واقعاً جديداً في البلاد لا يمكن تجاهله، كذلك لا يمكن استيعابه إلّا بتنفيذ خطوات عملية وفعلية لتكوين سلطة جدية تكافح الفساد وتستعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم قبل استعادة الثقة الخارجية العربية والدولية. إذ سيكون من غير الواقعي او المنطقي تجاهل ما طرحه هذا الحراك واللبنانيون عموماً من مطالب، ومن أزمات يعيشونها في حياتهم اليومية.
فهذا الواقع الذي أدى الى استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري يفرض، في رأي معنيين بالملف الحكومي، أن تتصدى له حكومة من نوع آخر، لأنّ الاتيان بحكومة على شاكِلة الحكومة المستقيلة التي قامت قيامة الشارع عليها ولم تقعد بعد، من شأنه أن يبقي الازمة في ظل اقتناع كثيرين بأنّ ورقة الاصلاحات الاقتصادية والمالية، التي أقِرّت اخيراً وأريد منها امتصاص نقمة الشارع، ليست سهلة التنفيذ.
والى الآن لم تَرسُ المشاورات والاتصالات على اختيار إسم محدد ليُمَرّر «سراً» الى الكتل النيابية لتسمّيه في الاستشارات الملزمة، في وقت لا تخفي أوساط رئاسة الجمهورية و»حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، وحتى أوساط فريق 8 آذار عموماً، استياءً من استقالة الحريري، فيما يذهب البعض الآخر الى حَد الحديث عن انه قبَيل الاستقالة وبعدها حاكى الحراك الشعبي، بدليل نزول أنصاره الى الشارع الذي ما كانوا نزلوا إليه في عزّ الحراك.
وحتى الآن لم يحسم بعض الافرقاء في هذا المحور السياسي او ذاك موقفهم النهائي إزاء شخصية رئيس الحكومة العتيد ومواصفاته، وكذلك إزاء أعضاء الحكومة العتيدة ومواصفاتهم. لكنّ أداء المعنيين دستورياً مباشرة، يشير الى انّ البحث في التكليف والتأليف يركّز على حكومة بأسماء جديدة رئيساً وأعضاء، ويقول معنيون في هذا السياق انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتقدّم مؤيدي تأليف حكومة تكنوقراطية ـ سياسية، وهي تشكل محور غالبية اللقاءات والمشاورات التي يعقدها علناً وبعيداً عن الاضواء مع مختلف الافرقاء السياسيين. ويرشح في هذا المجال انّ عون يسمع من البعض انّ الواقع المُستجد يفرض تغييراً جذرياً في الوجوه الحكومية، حتى يتمكن لبنان من استعادة الثقة الخارجية به بما ينعكس إيجاباً عليه إقتصاديا ومالياً.
وقد قرأ نواب وسياسيون أمس، في إجراء ادارة الرئيس دونالد ترامب بتجميد مساعدات بقيمة 1,5 مليون دولار للجيش اللبناني، مؤشّراً الى ما يمكن أن يكون من إحجام عربي ودولي عن تقديم أي دعم للبنان، إذ انّ هذا التدبير الاميركي جاء بمثابة تحذير أميركي من تأليف حكومة على شاكِلة الحكومة السابقة التي كان الاميركيون، ومعهم دول عربية وأجنبية، ينظرون إليها من زاوية أنها «حكومة اللوان الواحد»، وانّ الغلبة فيها لـ»حزب الله» وحلفائه، الأمر الذي نفاه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله أمس، في معرض رَدّه على وصف الحكومة الحالية وسابقتها برئاسة الحريري، وما يتعلّق قبلهما بحكومتي الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام، بأنها كانت «حكومات حزب الله».