يعتبر كثيرون أنّ كلّ من شارك في التسوية الرئاسية عام 2016 يتحمّل مسؤولية ما وصل إليه واقع البلد على مختلف المستويات، ومن ضمنهم حزب «القوات اللبنانية».
وتعتبر جهات عدّة أنّ من أسباب التدهور المالي - الاقتصادي، دخول «حزب الله»، أحد أطراف السلطة في نزاعات المنطقة، والتغطية والدعم اللذين يحظى بهما من رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، الأمر الذي أدّى إلى تأثّر البلد بالعقوبات المفروضة على «حزب الله»، والامتناع العربي والغربي عن دعم لبنان. لذلك، فإنّ التسوية السياسية الرئاسية التي أُجريت عام 2016 وأدت إلى انتخاب «حليف حزب الله» رئيساً للجمهورية، هي التي أوصلت الى الواقع الراهن، فضلاً عن اعتبار هذه التسوية «تسوية محاصصة وتقسيم المغانم».
من هذا المنطلق تُحمّل «القوات» مسؤولية انتخاب عون والمشاركة في التسوية، التي تُرجمت في مشاركتها في حكومتي الرئيس سعد الحريري في هذا العهد، خصوصاً أنّ البعض يعتبر أنّ جعجع بمساهمته في إيصال عون الى الرئاسة أعطى غطاءً مسيحياً إضافياً لسلاح «الحزب».
هذه النظرية تدحضها المعطيات والوقائع حسب «القوات»، إذ انّ مجموعة أحداث وتطورات سياسية داخلية أدّت الى تبني ترشيح عون للرئاسة، من الفراغ الرئاسي الذي سيطر على القصر الجمهوري لنحو سنتين، إلى تبنّي الحريري ترشيح عون أولاً ثمّ ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ووضع «القوات» أمام أمر واقع سياسي باختيار مرشح من 8 آذار، على أثر التخلي عن ترشيح جعجع بحجّة أنّ وصوله الى رئاسة الجمهورية كان متعذراً. وتعتبر مصادر قواتية «أنّه لو تمّ الالتزام بترشيح جعجع لما وصلنا الى خيارات أخرى 8 آذارية». كذلك، أتى تبنّي جعجع لترشيح عون بعد المصالحة بين الطرفين، التي كانت مطلوبة مسيحياً بغية طيّ الصفحة السابقة السوداء والمؤلمة بين «القوات» و»التيار الوطني الحر».
وعند السؤال عن إيصال «حليف حزب الله» الى الرئاسة وبالتالي تغطية «الحزب»، يحيل «القواتيون» السائل إلى تاريخ 18 كانون الثاني 2016، لحظة الإعلان عن ترشيح عون من معراب على أساس 10 مبادئ. ويعتبرون أنّ هذا الإعلان كافياً، شكلاً ومضموناً، للدلالة الى أنّ هذا الترشيح استند الى ثوابت ومبادئ أساسية التزمها عون حينها، وفي طليعتها النأي بلبنان عن المجريات في المنطقة وأن يكون القرار الاستراتيجي في يد الدولة، الى جانب كلّ المفاهيم المتصلة ببناء دولة الحق والانسان.
أمّا بالنسبة الى العقوبات، فترى «القوات» أنها تُفرض على «حزب الله» وليس على الدولة اللبنانية إذ إنّ الدولة غير معنية بما يقوم به الحزب»، لافتةً إلى مواجهة وزراء «القوات» لـ«حزب الله» وسياساته في الحكومة، مثل طرح التنسيق مع سوريا أو زيارتها أو المواقف التي تُدخل لبنان في نزاعات لا علاقة له فيها، وبذلك حقّقت «القوات» التوازن الحقيقي في الحكومة، فضلاً عن الرسائل التي وجّهتها في أكثر من محطة الى الرؤساء الثلاثة لضرورة تنبيه «الحزب» وتحذيره من مغبة استخدام لبنان لتحقيق مشاريع إقليمية والدفاع عن إيران.
الى الشقّ المبدئي تضمّن «اتفاق معراب» شقّاً سُلطويّاً لناحية تقاسم المقاعد الوزارية والمناصب الإدارية... وتعتبر «القوات» أنّه طبيعي وبديهي إذ إنّها وعلى غرار كلّ الأحزاب ليست «كاريتاس»، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية في 2018 أثبتت أنّها و«التيار» أكبر حزبين في البيئة المسيحية. وإذ تعتبر المصادر القواتية أنّ من حقّ «القوات» أن تتمثّل على مستوى السلطة مقابل تضحيتها وتنازلها لوصول عون الى الرئاسة، تؤكّد أنها لم تشارك في الحكومة انطلاقاً من «اتفاق معراب» بل نظراً لحجمها الشعبي والنيابي، إذ إنّ رئيس «التيار» جبران باسيل تراجع عن «اتفاق معراب» منذ اللحظة الأولى لوصول عون الى كرسي الرئاسة.
وتوضح أنّ هذا النفوذ على صعيد السلطة استند إلى أن تُجرى التعيينات وفق آليات واضحة. وتركّز على أنّ التغيير لا يُمكن أن يتحقق من خلال الانقلابات أو من خارج قواعد الحُكم، فيما أنّ النفوذ والمشاركة في السلطة هما اللذان يُمكّنان القوى السياسية التي تمارس سياسة سليمة لبناء الدولة، من إحداث التغيير المنشود الذي يطالب به الناس. وتؤكّد أنّ «القوات» دخلت الى السلطة بنهجٍ مغايرٍ عن النهج المُعتمد منذ سنوات، وبرهنت ذلك من خلال ممارسة وزرائها، الأمر الذي جعل أطرافاً سياسية عدّة يتكتلون ضدها. وتشير إلى أنّ ممارسة «القوات» في السلطة تتطابق وتتكامل مع صرخات الناس، لجهة التزام الدستور والقوانين والشفافية في الحُكم ورفض المناقصات بالترضية، ومقاربة الوضع الاقتصادي بعمقه، فضلاً عن رفض سياسات المحاصصات والمقايضات والتمريرات.
لذلك، يعتبر «القواتيون» أنّ عملية المواجهة من الداخل يمكنها أن تحقّق التغيير، ويشيرون إلى أنّ وزراء «القوات» تمكنوا من تحقيق التغيير في عدد من الملفات، ومنها خطة الكهرباء، و»لو تمّ الأخذ بالورقة الإصلاحية التي قدمتها «القوات» في موازنة 2019 لما وصلنا الى ما وصلنا اليه، ولما نزل الناس الى الشارع». ويلفتون إلى أنّ «القوات» كانت سبّاقة، باستشراف أمرين: عدم جدوى موازنة 2019 التي رفضتها، طرح استقالة الحكومة وتشكيل حكومة من اختصاصيين، في 2 أيلول الماضي على طاولة حوار بعبدا السياسي - الاقتصادي.
بعد هذا المسار، وسقوط «اتّفاق معراب» وعدم نجاح العهد في نصفه الأوّل من تحقيق آمال اللبنانيين، هل ندم جعجع على انتخاب عون؟ تعتبر مصادر معراب أنّ «في السياسة لا يوجد عبارة «ندم»، فالأحداث السياسية تُقارب في لحظتها، وليست مسألة عواطف بل حسابات وطنية سياسية دقيقة، انطلاقاً من ظروف موضوعية وبعيداً من المصالح الشخصية».