جاء في مقال بمجلة فورين بوليسي أن سياسة الردع الأميركية في الشرق الأوسط تنهار، وأن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا لا يعدو كونه مظهرا من مظاهر الضعف، خاصة فيما يتعلق بردها على إيران.
ورغم أن كاتب المقال جون هانا الباحث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات رحب بمقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في غارة أميركية الأحد الماضي، فإنه يرى أن تصفيته لن تمحو الضرر الذي لحق بمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأيا كانت التفسيرات التي ساقها الرئيس دونالد ترامب وأنصاره لتبرير قراره "المتهور" بسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا مؤخرا، فإن الصور القاسية التي أعقبت ذلك وستبقى عالقة بالذاكرة تنبئ عن شيء مختلف تماما، على حد تعبير المقال. فالجنود الأميركيون في تراجع متسم بالفوضى، وحلفاء الحرب جرى التخلي عنهم، والمكاسب التي تحققت بشق الأنفس في ميادين القتال تم التنازل عنها لصالح بعض أخطر أعداء الولايات المتحدة.
لا يطيق صراعا مستمرا
يقول جون هانا إن أصدقاء أميركا وأعداءها على السواء سرعان ما توصلوا -إن خطأً أو صواباً- إلى قناعة بأن ترامب لا يطيق صراعا مستمرا، مضيفا أن مقتل البغدادي قد يحد، ولا يبطل، من الترويج للمفهوم القائل إن الردع الأميركي في الشرق الأوسط ينهار.
وتبدى ذلك المنطق بوجه خاص في أعقاب الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز على المنشآت النفطية في منطقة أبقيق بشرق السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي.
فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها عالقة بين حليفين مفترضين يناصب أحدهما الآخر العداء، وهما تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، بحسب جون هانا.
ويعتقد الباحث الأميركي أن إحجام ترامب عن المجازفة بالدخول في مواجهة عسكرية مع تركيا، وهي عضو مهم في الناتو، يحمل على الأقل سمة المنطق الإستراتيجي.
سوريا قضية صعبة
ويمكن القول إن سوريا قد مثلت "قضية صعبة" بوجه ممارسة أميركا قوتها العسكرية بسبب ضلوع تركيا فيها وعلاقة الولايات المتحدة بوحدات حماية الشعب الكردية.
وفيما يتعلق بالعدوان الإيراني الأخير، فإنه لا وجود لعوامل معقدة. فقد اعتبرت إدارة ترامب مرارا وتكرارا إيران التهديد الأكبر على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، طبقا لمقال هانا.
ويستطرد الكاتب إلى القول إن ترامب يشن حملة ضغوط قصوى على إيران بغية خنق اقتصادها والحد من قدرتها على أن تعيث فسادا بالمنطقة.
ورغم الطبيعة المبهمة لالتزام واشنطن الطويل الأمد بالمنطقة والأولوية القصوى التي تعطيها إدارة ترامب لمواجهة إيران، فإن ردود الفعل الأميركية على الاستفزازات الإيرانية المتعاظمة الخطورة تعكس بوضوح ترددا مماثلا لما ظلت تبديه واشنطن في سوريا.
إن حقيقة أن إيران شنت في الآونة الأخيرة سلسلة من الهجمات ضد المصالح الأميركية "بجرأة غير معهودة من قبل" توحي بشدة أن الردع الأميركي يتعثر بشكل سيئ، يقول جون هانا.
ويرى الكاتب أن رد فعل ترامب على أكثر الحوادث خطورة لا تتعدى الإفراط في إطلاق التهديدات اللفظية من قبيل "القضاء على إيران" أو "محوها من الوجود".