تفرض الأزمة السياسية والمصرفية التي يعيشها لبنان ضغطا متناميا على ربط عملته المحلية بالدولار المعمول به منذ 22 عاما، وتخشى الصناديق الأجنبية من أن خفض قيمة العملة الآن قد يجر كارثة على بلد ينوء بأحد أكبر الديون الأجنبية في العالم.
ويتصاعد خطر خفض قيمة العملة بينما يكابد لبنان ضغوطا اقتصادية هي الأشد منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، في ظل احتجاجات عارمة أطاحت بحكومة سعد الحريري.
واستبعد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الاثنين، الخروج على ربط سعر الصرف المعمول به منذ أمد بعيد، قائلا إن الحكومة تملك الوسائل اللازمة لصيانته، إلا أنه في ظل انخفاض سعر صرف السوق السوداء أكثر من 20 في المئة عن سعر الربط، فإن المراقبين يقولون إن خفضا للقيمة في خانة العشرات تزداد فرص حدوثه، ولاسيما في أعقاب استقالة الحريري.
وبخلاف الاقتصادات العديدة الأخرى التي تعمل بمثل ربط العملة هذا، فإن على لبنان التزامات خارجية ضخمة، إذ تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 150 بالمئة، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم.
وستقفز النسبة أكثر في حالة خفض قيمة العملة، مما سيكبل بدرجة أكبر قدرة بيروت على سداد ديونها.
وبحسب تيموثي آش، استراتيجي الأسواق الناشئة في "بلو باي" لإدارة الأصول، التي تخفض الوزن النسبي للأصول اللبنانية منذ ما قبل الأزمة، "ببساطة، سعر الصرف الثابت ونموذج النظام المصرفي لا يعودان بالنفع على الاقتصاد عموما. مزيج ما من إعادة هيكلة الدين وسعر صرف أكثر مرونة وتنافسية يبدو مرجحا"، وفق ما نقلت "رويترز".
ورغم بقاء لبنان لفترة طويلة يحتل جزءا في محافظ العديد من الصناديق الأجنبية، إلا أن الأزمة الحالية تهدد ذلك ومعها ربط العملة، الذي ظل دعامة استقرار منذ بدء العمل به في 1997.
وترتفع مستويات الدين المقوم بالدولار الأميركي، الذي يشكل نحو نصف إجمالي التزامات لبنان، وهو أحد الأسباب في أن خفض قيمة العملة قد يكون أشد إيلاما عما حدث في أسواق ناشئة أخرى، مثل تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية في خضم الأزمة المالية الآسيوية في1997.
ديون كبيرة مستحقة
ولا يمتلك لبنان ثروات هائلة لمساعدته في دعم الربط، إذ يعتمد على تدفقات ضخمة من الجاليات اللبنانية الكبيرة في الخارج لملء خزائن بنوكه، التي ساعدت بدورها في تمويل عجز الميزانية وخدمة عبء الدين المتصاعد.
ومع تباطؤ تلك التدفقات في الفترة الأخيرة، تفاقمت مشاكل اقتصاد لبنان، الذي لديه مستويات "مريحة" من الاحتياطيات الإجمالية الرسمية البالغة حوالي 38 مليار دولار كما في منتصف أكتوبر، بما يغطي نظريا واردات نحو 12 شهرا، وفق تقديرات جابريس إيراديان، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي.
وقدر إيراديان خطر خفض قيمة العملة اللبنانية بأقل من 50 بالمئة في المدى القصير، لكنه أقر بأن خفضا بأكثر من عشرة بالمئة قد يحدث إذا طال أمد الأزمة السياسية.
وفي مقابل تلك الاحتياطيات ينتصب جدول سداد ديون كثيف، يبدأ بسندات حجمها 1.5 مليار دولار تستحق في نهاية نوفمبر، بينما تشير عوائد السندات في السوق الثانوية إلى تكلفة اقتراض لعامين تتجاوز الثلاثين بالمئة.
وبينما لم يطلب لبنان حتى الآن دعما من صندوق النقد، وقد أبدى الحريري من قبل تحفظات إزاء مقترحات الصندوق التي قال إنها تشمل تعويم الليرة، فإن المستثمرين مازالوا ينتظرون لمعرفة إن كانت أي حكومة جديدة ستأخذ موقفا مختلفا حيال ربط سعر الصرف وطلب دعم صندوق النقد.
وحول هذه النقطة قال إيراديان "إذا خيمت الضبابية لفترة طويلة فإن فرص خفض قيمة العملة ستزداد وقد يتجاوز ذلك 15 بالمئة".