ما نقلته شبكة «سي أن أن» عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عن انّ لبنان في صدد الانهيار خلال أيام، وما عاد سلامة وأوضحه انّ «لبنان يحتاج إلى حلّ خلال أيام لتفادي الانهيار في المستقبل»، أمران نتيجتهما واحدة.
فاستقالة رئيس الحكومة، قبل التوصّل الى إجماع سياسي حول حكومة جديدة أو تعديل وزاري، قد «تُنفِّس» غضب الشارع وتؤدي الى وقف الاحتجاجات، إلّا أنّ ما ستخلّفه هذه الاستقالة اليتيمة من عواقب مالية ونقدية سيُترجم مزيداً من التدهور ومن فقدان الثقة، وصولاً الى الانهيار الذي تحدث عنه حاكم مصرف لبنان.
فقد بدأت أوّل المفاعيل بالظهور بمجرّد تداول الاخبار عن نيّة سعد الحريري الاستقالة، حيث هبطت سندات لبنان السيادية الدولارية الأقصر أجلاً 3.1 سنتات، على أن تتوالى المؤشرات المالية والنقدية السلبية بالظهور تباعاً يوماً بعد يوم.
وفيما تتخوّف المصارف من فتح أبوابها قبل التوصّل الى حلّ سياسي للأزمة الراهنة وقبل حدوث «صدمة إيجابية» تضمن لها عدم حدوث حالات هلع وسحوبات كبيرة للودائع، فإنها تواصل حالياً العمل على تيسير معاملات زبائنها المصرفية من خلال أجهزة الصراف الآلي، وقد باشرت مؤخراً بإصدار بطاقات آلية للعملاء الذين لا يملكونها، من أجل تمكينهم من سحب رواتبهم عبر الصراف الآلي. ودعت إدارات المصارف هؤلاء العملاء الى التقدّم بطلب إصدار بطاقة آلية، عبر الاتصال بمراكز الاتصال Call Centers التابعة لها.
أمّا عن العوامل التي ستدفع نحو الانهيار، فقد ذكر سلامة بعضها خلال مقابلته، ومنها: عدم التوَصّل الى علاج جذري للأزمة المالية، الكلفة الباهظة لاستمرار الوضع الحالي، إغلاق قناة الاستيراد بسبب إقفال المصارف، إستحقاقات ديون دولية، إنعدام النشاط الاقتصادي، خسائر كبيرة لن تتحمّلها الشركات ما سيؤدي الى توقّفها عن دفع رواتب موظفيها، والمزيد من البطالة.
تقرير «ميريل لينش»
في هذا الاطار، رأى تقرير لـ«بنك أوف أميركا - ميريل لينش» أنّ الاحتجاجات العابرة للطوائف وغير المسبوقة في لبنان جاءت في مرحلة صعبة بالنسبة للاقتصاد، ما زاد من مخاطر الهبوط الصعب، مشيراً الى انّ التعليقات الأخيرة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة سلّطت الضوء على الضرورة المُلحّة لحل سياسي سلمي للأزمة «في غضون أيام».
وذكر: «في حين أنّ الطبقة السياسية استجابت بشكل عام لنصيحته وتحذيراته، يبدو أنّ الحصار مستمر حتى الآن، والنشاط الاقتصادي يقترب من الانعدام كلياً».
وكشف التقرير انّ مخاطر الهبوط الصعب تتزايد في غياب تسوية سياسية يمكن أن تُعيد الثقة، شارحاً انّه ينطوي على تعديل حقيقي حاد لسعر الصرف، وإعادة هيكلة عميقة للدين العام، وكلفة كبيرة لإعادة رسملة القطاع المصرفي، وعمليات إنقاذ للودائع.
ورأى البنك أنّ «حكومة تكنوقراط ذات صلاحيات إصلاحية واضحة وقدرة على التنفيذ قد تتمكّن من استعادة الثقة المحلية واكتساب الدعم الدولي وشراء الوقت، لكن يمكن أن تَرث ظروفاً اقتصادية صعبة وتواجه صعوبة في تطبيق التقشف».
وقال التقرير انّ «أيّ حكومة جديدة ستحتاج إلى دعم من الأحزاب السياسية القائمة والموجودة في مجلس النواب. وفي غياب أحزاب المعارضة الرئيسية، قد لا تُحدث الانتخابات البرلمانية الكثير من التغيير».
وفيما أثنى «بنك أوف أميركا - ميريل لينش» على الجهود التي بذلتها الحكومة ضمن بنود موازنة 2020، مُقدّراً أنها تستهدف التوازن الأساسي لتثبيت نسبة الدين العام عند 4 الى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، رجّح عدم إمكانية تحقيق ذلك بسبب:
- ضعف النمو
- إنزلاق محتمل في 2019
- عدم وضوح قيمة النفقات الرأسمالية
- دعم غير واقعي لمؤسسة كهرباء لبنان
وأشار الى أنّ الايرادات المتأتية من مساهمة القطاع المصرفي ستكون لمرة واحدة، ما يعني أنّ العجز سيُعاود الارتفاع في العام 2021، كما استبعد تصفير عجز مؤسسة كهرباء لبنان في الموعد المحدد أواخر 2021، ولفت الى انّ مشاريع الخصخصة المُستهدفة واجهت انقسامات سياسية في الماضي.
واعتبر انّ الإصلاحات الادارية قد تقنع الجهات المانحة، لكن لا يوجد دعم مالي وشيك عرضة للتوقّف المفاجئ.
وأكّد «بنك أوف أميركا - ميريل لينش» أنّ احتياطي العملات الاجنبية للنظام المصرفي (مصرف لبنان والمصارف التجارية)، والمقدّر بـ 44 مليار دولار، سينضب خلال 3 الى 4 أشهر، في حالة هروب الودائع بالعملات الاجنبية.
ووفقاً لتقديراته، تستحق ودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 10.3 مليارات دولار شهرياً (7.6 مليارات دولار من ودائع المقيمين و 2.8 مليار دولار من غير المقيمين)، موضحاً انّ كلّ زيادة بنسبة 1 في المئة نسبة الدولرة تتطلّب 1.7 مليار دولار من العملات الأجنبية.
ورجّح أن يتم تشديد القيود على عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي، وفي حال فرض ضوابط على رأس المال، إعتبر بنك أوف أميركا أنّ مصرف لبنان يمكنه تحمّل الصدمة، لكنّ نموذج تمويل القطاع المصرفي اللبناني يمكن أن يتأثر بشكل مُستدام باحتمال 1 من 2، «لكن في غياب التدفقات المالية والإصلاحات والثقة، فإنّ هذا الإجراء قد يؤخّر الأزمة فقط».
نموذج التمويل ينفد
أشارت «ميريل لينش» الى أنه قبل الأزمة الحالية، بلغت تقديرات فجوة التمويل الخارجية السنوية للبنان 5.5 مليارات دولار (9.5% من الناتج المحلي الإجمالي). وتعكس الفجوة الحالية:
- زيادة متطلبات التمويل الخارجي
- تعذّر الوصول إلى الأسواق المالية
- تزايد خروج الودائع.
وأشارت الى أنه بهدف سدّ هذه الفجوة، يجب نمو ودائع غير المقيمين بما يزيد عن 10 في المئة في مقابل معدل نمو بلغ 7 في المئة خلال الفترة 2003-2018، «وهذا الأمر سيكون التحدي الأكبر».