في الأمس القريب، اشتعل الجدل المتكرّر بين أفرقاء السلطة حول التنسيق أو «التطبيع» مع النظام السوري، بعد إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في ذكرى 13 تشرين، نيته زيارة سوريا لـ«إعادة النازحين».
الجدل نفسه كان احتدم بعد إعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من على منبر الأمم المتحدة خلال أيلول الماضي إمكانية التواصل مع سوريا لتشجيع عودة النازحين. هذا الجدل يتكرّر منذ بدء الأزمة السورية عام 2011 وتدفّق النازحين الى لبنان.
وعلى غرار «محاربة الفساد»، إنّ الجميع مع عودة النازحين، إلّا أنّ أي اتفاق جدّي بين مكونّات السلطة حول طريقة تأمين هذه العودة لم يتمّ، كذلك لم تُعتمد سياسة حكومية واحدة لإدارة هذه الأزمة.
الخلاف الرئيسي على هذا الملف سياسي، ففريق 14 آذار يعتبر أنّ النظام السوري لا يريد إعادة النازحين، لذلك فإنّ أي تنسيق لن يحقّق العودة، بل سيحقّق طموحات بشار الأسد في التطبيع، ما يُعرّض لبنان لمخاطرعدة، تبدأ بتأثر علاقاته بالدول المناهضة لنظام الأسد وقد لا تنتهي بفرض العقوبات على الدولة اللبنانية.
في المقابل، يعتبر فريق رئيس الجمهورية وقوى 8 آذار، أنّ عدم تجاوب المجتمع الدولي، لا يترك سبيلاً لتحقيق هذه العودة إلّا طريق التواصل مع سوريا، على رغم من أنّ التنسيق في هذا الملف يجري من خلال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فضلاً عن التبادل الديبلوماسي القائم بين البلدين.
ومن العنوان السياسي الخلافي، تفرّعت عناوين خلافية عدة بين أطراف السلطة حول هذا الملف: التعامل مع الأمم المتحدة والمنظمات المعنية، إيقاف استقبال النازحين أو إيقاف تعدادهم وتسجيلهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنشاء مجمع لمخيمات النازحين ضمن نطاق جغرافي محدّد، المشاركة في المؤتمرات الدولية المخصصة للنازحين، المسؤوليات والصلاحيات، المصطلحات بين نازحين ولاجئين والعودة الطوعية والعودة الآمنة... والخطط المطروحة.
فكيف ستتوحّد المواقف خلال شهر من ورقة واحدة بسحر ساحر؟ ولماذا لم تتمّ قبل سنوات؟ لماذا لم تعمد السلطة الى إدارة هذا الملف منذ بدء النزوح وجنّبت البلد خسارة ملايين الدولارات وهدراً إضافياً في قطاعي المياه والكهرباء، والضغط على البنى التحتية المترهلة أساساً، وإخراج «الدولارات» من لبنان، ومنافسة العامل اللبناني في قطاعات عدة في ظلّ أزمة البطالة، واستفادة النازحين من دعم الحكومة اللبنانية لقطاعات عدة مثل الدعم على ربطة الخبز...
فضلاً عن تداعيات النفايات والصرف الصحي الناتجين من مخيمات النزوح المنتشرة من دون أيّ تنظيم، ناهيك عن تداعيات النزوح الأمنية والديموغرافية، وخطاب الحقد والعنصرية الذي واظبت أطراف أساسية في السلطة على تكراره لبث الكراهية تجاه النازحين الذين يعانون بدورهم من تقاعس هذه السلطة في تنظيم النزوح، فيعيشون في ظروف حياتية صعبة؟
الحكومة كانت متيقنة من أهمية هذا الملف لدى اللبنانيين، لذلك أوردته في ورقتها الإصلاحية «العجائبية»، وإضافةً الى الطلب من الوزير الغريب رفع ورقة سياسة ملف عودة النازحين الى مجلس الوزراء لإقرارها خلال شهر من تاريخ رفعها، نصّت الورقة الإصلاحية على اتخاذ الاجراءات والوسائل المتاحة لحض المجتمع الدولي على عودة آمنة وكريمة للنازحين إلى بلادهم والمساهمة أكثر في تحمُّل كلفة أعبائهم التي تتحمّلها الدولة.
هذان البندان ليسا جديدين، ومطروحان في الخطط التي قدّمتها جهات عدة من داخل الحكومة وخارجها. كذلك، طُرحا في حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014، وقبل إنشاء وزارة الدولة لشؤون النازحين. أمّا ما لم يكن متوافراً فهو «التوافق»، فهل يتأمّن الآن؟
حتى الغريب أنجز خطته بصفحاتها العشر منذ 4 أشهر. ولم تكن حادثة قبرشمون هي السبب الرئيسي الذي حال دون رفعها الى مجلس الوزراء، بل الخلاف الأساسي: التنسيق مع الجانب السوري. وما أخّر رفع الغريب هذه الورقة الى مجلس الوزراء هو عمله على تحقيق التوافقات المسبقة مع المعنيين، حول هذه الخطة من الناحيتين السياسية والإدارية، كي لا تتطلب مناقشتها في مجلس الوزراء كثيراً من الوقت أو يتمّ رفضها.
الحكومة الحالية تُعتبر مستقيلة وفي ظلّ تصريف الأعمال لا يُمكنها إقرار هذه الورقة. ويعتبر كثيرون أنّ امتناع السلطة المتعاقبة منذ 2011 عن معالجة هذا الملف واستهتارها في إدارته لأسباب سياسية أو مصالح فئوية، يُشّكلان إدانة لها، وبالتالي يجب محاكمتها جراء التداعيات الكارثية التي رتبتها على الدولة والمواطنين، إن بسبب تقصيرها أو عجزها أو إمتناعها عن معالجة أزمة النزوح «عن سابق تصوّر وتصميم».
ويُعتبر هذا الملف من «فضائح» السلطة التي تحتّم عدم تسلّمها الحُكم مجدداً، وتأليف حكومة إختصاصيين مستقلة تعالج هذا الملف بطريقة علمية.