رئيس الوزراء عمر الرزاز يستبق وقوع المحظور بعرض حوافز اقتصادية واجتماعية.
يعيش الأردن حالة استنفار وسط مخاوف من انتقال عدوى الاحتجاجات في لبنان والعراق إليه، في ظل وجود قواسم مشتركة بين الدول الثلاث وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية وانتشار مظاهر الفساد والمحسوبية.
ويشهد كل من العراق ولبنان موجة احتجاجات غير مسبوقة، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وعلى خلاف المرات السابقة، لم تقتصر المسيرات في هذين البلدين على المطالبة بإصلاح اقتصادي بقدر ما ركزت على تغيير النظام السياسي، وهذا مدعاة قلق كبير بالنسبة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وتحاول الحكومة الأردنية استباق أي هبة شعبية من خلال طرح خطط لتحفيز الاقتصاد الوطني في ظل استمرار نزيف مالية الدولة وارتفاع المديونية إلى 42 مليار دولار، وتزايد معدلات البطالة إلى أكثر من 19 بالمائة وهو ما بات يشكل كابوسا حقيقيا يؤرق أصحاب القرار في المملكة.
وجاء هذا التمشي بأمر من الملك عبدالله الثاني الذي بات كثير الحضور في اجتماعات مجلس الوزراء، في انعكاس للقلق الذي يعتريه من مسار الوضع الاقتصادي معطوفا على الجو العاصف في المنطقة.
بالتوازي مع ذلك، تصعد الحكومة من ضغوطها على النشطاء في الحراك الشعبي من خلال شن حملة اعتقالات في صفوفهم، أدت مساء الجمعة إلى اندلاع احتجاجات في مدينة الزرقاء (شمال شرق العاصمة عمان).
تسريبات إعلامية تتحدث عن إمكانية إقدام وزراء على خطوة مماثلة لوزير التربية والتعليم ويطرحون استقالتهم، في مؤشر على وجود تخبط وانقسام في صفوف الفريق الحكومي
وأعلن رئيس الوزراء عمر الرزاز خلال جلسة عقدت الأحد في المركز الثقافي الملكي وشارك فيها عدد من الوزراء عن برنامج “متكامل” لتحفيز الاقتصاد قائم على أربعة محاور وهي: تنشيط الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار والإصلاح الإداري والمالية العامة، وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، وتحسين جودة الخدمات.
وتزامن إطلاق البرنامج الذي سيتم تنفيذه خلال الأشهر القليلة المقبلة، حسب المعلن، مع استقالة وزير التربية والتعليم وليد المعاني على خلفية خلاف مع رئيس الوزراء حول جملة من التعديلات القانونية، مع تسريبات إعلامية تتحدث عن إمكانية أن يقدم وزراء آخرون على ذات الخطوة، ما يؤشر على وجود تخبط وانقسام في صفوف الفريق الحكومي. وقال الرزاز في معرض عرضه للبرنامج الذي يأمل أن يساهم في امتصاص غضب الشارع، أو أقله كسب المزيد من الوقت “أول إجراءات محور تنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار هو تحفيز سوق العقار والإسكان، حيث أن القطاع حاليا مصاب بشبه شلل”.
وفي ما يتعلق بتحسين الوضع المعيشي أوضح الرزاز “علينا التأكد من أن الأجور والرواتب مرتبطة بالأداء ليشعر المواطن أن هدفنا خدمته”. وكانت الحكومة قد واجهت قبل أسابيع أطول إضراب في تاريخ المملكة وهو إضراب المعلمين الذين طالبوا بعلاوة مالية قدرها 50 بالمئة زيادة على الراتب الأصلي.
وأعلن رئيس الحكومة أنه “ومن العام 2020 سيكون التعليم إلزاميا من عمر 5 سنوات”.
وتضمن البرنامج أيضا المزيد من الاجراءات لتخفيض التكاليف قد تطال هيئات مستقلة حيث صرح الرزاز في هذا الصدد “هناك هيئات مستقلة ومؤسسات مستقلة نشأت عبر السنوات، واليوم نسأل ما هدف هذه المؤسسة، هل الوزارة تستطيع أن تقوم بالعمل الذي تقوم به المؤسسة أم أن لها أدوارا أخرى وضرورة حقيقية”.
وسيحاول رئيس الوزراء أن يتجنب عند إعداد الموازنة العامة المقبلة طرح أي زيادات ضريبية، وقال الرزاز في هذا الإطار “سيتم التطرق للموازنة العامة بصورة مختلفة، وسنضع أرقامها في يد كل مواطن”.
وسبق وأن شهد الأردن قبل أكثر من عام مظاهرات غير مسبوقة انضمت إليها مختلف شرائح المجتمع الأردني، وشاركت فيها للمرة الأولى فعاليات نقابية واقتصادية، على خلفية تعديل قانون الضريبة على الدخل.
وانتهت تلك الاحتجاجات بتدخل مباشر من قبل الملك عبدالله الثاني حيث أقال حكومة هاني الملقي وكلف الوزير عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة. وكان الشارع الأردني يأمل حينها في أن يؤدي هذا التغيير إلى انفراجة خاصة مع ثقته في الرزاز القادم من خارج الطبقة التقليدية التي تداولت على المناصب القيادية في الدولة على مدى سنوات، بيد أن هذه الثقة سرعان ما تآكلت إلى حد كبير وظهرت في الأشهر الماضية تحركات احتجاجية قطاعية.
ومع تنامي حالة الاحتقان، تتداول أوساط سياسية خلف الكواليس حديثا عن مخاوف جدية من أن يشكل الحراك في العراق ولبنان حافزا قويا للأردنيين للخروج مجددا إلى الشارع والذي في حال حصل لن يكون كالسابق.
ويقول خبراء إن البرنامج الطموح الذي أعلن عنه الرزاز لإنعاش الاقتصاد لن يكون سهلا تنفيذه خاصة على مستوى زيادة الرواتب والأجور، وخلو الموازنة من زيادات ضريبية ذلك أن وضع البلاد لا يحتمل كما أن الأردن مرتبط باتفاقيات مع صندوق النقد الدولي الذي من المرجح أن يرفض الخيارين على السواء.
ويشير الخبراء إلى أن الأردن يعاني لدوافع عدة بعضها سياسية من تراجع الدعم الدولي، وبالتالي فإن هذا البرنامج قد لا يتعدى أن يكون مجرد مسكّن للمواطن الأردني.
وأعلن البنك المركزي الأردني الأحد عن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن بـ12.8 بالمئة على أساس سنوي في النصف الأول من العام إلى 333.3 مليون دينار (470 مليون دولار).
وكان الاستثمار المباشر في الأردن بلغ 382.5 مليون دينار في النصف الأول من 2018. ويقول صناعيون إن حالة الترقب من قبل المستثمرين في ظل استمرار توتر الأوضاع السياسية في محيط المملكة أدت إلى تراجع الاستثمارات خاصة القادمة من الخليج والدول الأجنبية.
وتعود الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأردن لأسباب بنيوية وخيارات اقتصادية تبنتها الحكومات المتعاقبة، التي كانت تميل للحلول السهلة كالزيادات الضريبية.
وتعمقت الأزمة في السنوات الأخيرة مع اندلاع الأزمة في سوريا في العام 2011، وتنامي التهديدات الإرهابية، وقد انعكس ذلك بشكل واضح على قطاعي السياحة والترانزيت اللذين طالما شكلا متنفسا مهما لاقتصاد المملكة.
ورغم عودة الهدوء خاصة إلى الحدود السورية الأردنية في العام 2018، وافتتاح معبر جابر نصيب، بيد أن الوضع لم يشهد تحسنا من شأنه أن ينعكس إيجابا على الاقتصاد الأردني الذي يقول خبراء إنه يحتاج لأبعد من جرعات دعم تحفيزية.