في اليوم الحادي عشر، الإزدحام في ساحات وسط بيروت في أوجّه. لا تراجع ولا خروج من السّاحات. لا يبدو أنّ المتظاهرين قد تعبوا أو يئسوا، إذ أنّ عشرات الآلاف من المواطنين تجمّعوا أمس ولبّوا الدّعوة إلى تظاهرة مركزيّة، مؤكّدين أنّ اليوم سيكون «يوماً آخر من العصيان المدني».
 

يحمل شابٌ عبوات من «السبراي» الملونة، يرشّ بها الجدار الفاصل بين نزلة رياض الصّلح ومبنى «الاسكوا». يضع كوفية يغطّي بها فمه وأنفه، ويرسم صورة مهرّج، بعد أن أنهى رسوماً كاريكاتوريّة لبعض القيادات السياسيّة، فيما يتحلّق حوله شبّانٌ وشابات لإبداء إعجابهم بهذه اللوحات.

برغم خفوت الضوء، إلّا أنّ ذلك لم يمنع المارّون من تصوير الجدار الذي تحوّل لوحة جداريّة، كما غالبيّة جدران وسط المدينة. الكثير من الرسوم والشعارات والمطالب التي خطّها المتظاهرون.

عند جدار «الاسكوا»، وتحديداً تحت اسم «شهيد الثورة» حسين العطّار، يجلس عناصر مكافحة الشغب. يحملون «أدوات القمع» ويأخذون قسطاً من الرّاحة وهم يشاهدون المواطنين يتوجّهون سيراً على الأقدام نحو رياض الصّلح.

الصّوت يصدح: «موطني موطني». يمسك العشرات من المواطنين بهواتفهم النقّالة المضاءة ويرفعونها عالياً. تنتهي الأغنية، فيمسك الشاب الذي يقف فوق سيارة الصوتيّات الميكروفون، ليقول: «شعبيّة شعبيّة.. ثورتنا شعبيّة. حرامي حرامي مصرف لبنان حرامي. حرامي حرامي.. مجلس النوّاب حرامي».

الكثير من الشعارات ومئات المردّدين الذين يقفون في زحمة ساحة رياض الصّلح، متوعّدين أنّ «اليوم هو يوم عصيان مدني»، ومردّدين «يا عمّال ويا طلّاب، بكرا في عنا إضراب».

وليس بعيداً عن هؤلاء، يلوّح آخرون بالعلم اللبناني ويتمايلون على أنغام أغنية «قلّن إنّك لبناني». تنتهي الأغنية الوطنيّة، يعتلي أحدهم سيارة الصوتيّات ليشرح للمتظاهرين أهميّة العصيان المدني، قبل أن يقرّر المعنيون أخذ استراحةٍ بالانتقال إلى الأغاني الرّاقصة.

بين ساحة اللعازاريّة وساحة الشهداء، تحوّل الشّارع سوقاً شعبياً. كلّ ما لذّ وطاب من المأكولات: سندويشات وكعك و»عرانيس» ذرة.. إحداهن حملت سلّة في رقبتها وضعت فيها كميّة من التّفاح، مردّدة: «وأخيراً لقيت شغل». يتهافت إليها بعض المتظاهرين متسائلين عن سعر التّفاحة، لتردّ قائلة: «قد ما بدّك وإذا ما معك، ما تدفع».

وبالاقتراب أكثر إلى ساحة الشّهداء، تتداخل الأغاني، إذ انّ أكثر من منصّة موجودة في المكان، كما عشرات الخيم الموزّعة. يقف مئات المتظاهرين عند درج مسجد الأمين. يرفع هؤلاء العلم اللبنانيّ عالياً، ويُنشدون بأعلى أصواتهم: «كلّنا للوطن للعلى للعلم».
كلّ السّاحات في وسط بيروت ممتلئة بالمتظاهرين. هؤلاء لا تبدو عليهم ملامح التّعب واليأس، بل على العكس من ذلك، يؤكّد العديد منهم أنّ على السّلطة عدم الرّهان على الوقت أو على التّعب، إذ انّ «انتفاضتنا في يومها الحادي عشر وما زالت وكأنّها في يومها الأوّل».